/ صفحه 329/
في جماعة كبار العلماء:
نهضة مباركة
كتب إلينا فضيلة العلامة الجليل الشيخ مرتضى آل يس، من كبار علماء النجف، وشيوخها الأجلاء، كتاباً مسهباً بمناسبة ما قررته حكومة الهند من تحريم الخمور في بلادها، واقترح أن يُتبادل الرأى في ذلك بين جماعة كبار العلماء في الأزهر وكبار المجتهدين في النجف وغيرهم من علماء الأقطار الإسلامية، تمهيداً للقيام بجملة جهاد دين إسلامى على الخمر وشتى الموبقات التي ترتكب في الأمة، وتسكت عنها الحكومات الإسلامية.
جاءنا هذا الكتاب من فضيلته في أواخر شهر رجب، وفيه يقول:
"إن لى أملا أيقظه في نفسى هذا العمل الصالح، الذي قامت به حكومة الهند، حين حرمت الخمر على القسم الموبوء بها من بلادها، ومردُّ هذا الأمل إلى حسن ظنى بجماعة كبار العلماء في الأزهر الشريف، الذين نصبوا أنفسهم لمناصرة هذا الدين كلما وجدوا إليها سبيلا، فهاأنذا أدفع إلى حضراتهم باقتراحى عن طريق جماعة) التقريب، عسى أن يأخذ حظه من عنايتهم وتفكيرهم، فيضعوه موضع العمل والتطبيق، في وقت غير بعيد إن شاءالله تعالى"
ولما كان من أهم ما تعمل له جماعة التقريب، أن تقوم بالسعى المثمر في كل أمر يعود على المسلمين في شتى الباد بالخير والصلاح، وأن تسفر بين علماء الأقطار الإسلامية من كافة المذاهب، فتنقل إلى كل ما عند الآخرين؛ وتجمع قلوبهم ومساعيهم على ما فيه صلاح أمتهم، فقد اتصلت دار التقريب، على الفور، بحضرتى صاحبى الفضيلة العالمين الجليلين الشيخ عبد المجيد سليم والشيخ محمود شلتوت، من أعضاء جماعة كبار العلماء، وتحدثت إليها في هذا الشأن، فرحبا باقتراح العلامة المرتضي، وشكراه على حسن ظنه، وكريم ثفته في علماء الأزهر، وبشرانا بأن الجماعة قد اعتزمت القيام ـ على وجه حاسم ـ بواجب الجهاد الدين في محاربة المنكرات، ودرء المفاسد الخلقية، وما يوجه إلى الدين من مطاعن، منشؤها الجهالات أو العداوات، وأنها ستجتمع لذلك في وقت قريب، ولا شك أنها ستلتقى مع فكرة الأستاذ الجليل، وتعمل من جانبها على تحقيق ما ترمى إليه من خير للمسلمين.
ولم تلبث الجماعة بعد ذلك، أن عدت جلسة تاريخية هامة بالإدارة العامة للجامع الأزهر، شارك فيها كبار رجال الإدارة في الأزهر الشريف، واستعرض المجتمعون في تلك الجلسة حالة الدين والخلق، وما آل إليه أمر هما في نفوس الناس وواجب الأزهر في ذلك، وانتهت إلى قرارات تهميدية، يراد بها تقرير أنجع الوسائل التي يتوسل بها إلى إصلاح حال الأمة من نواحيها المختلفة المتصلة بالدين والخلق، على أن تتكرر الجلاست في أوقات متقاربة للنظر في ذلك، وأصدرت في نفس الجلسة قراراً عاجلا برفع كتاب خاص إلى حضرة صاحب الجلالة ملك مصر، وتوجيه كتاب آخر إلى حضرة صاحب المقام الرفيع مصطفى النحاس باشا رئيس حكومتها، وقد رفع الكتاب الأول إلى حضرة صحاب الجلالة، وقدم الكتاب الثانى إلى رفعة الرئيس، وأذيع بعد ذلك من دار الإذاعة اللاسلكية للحكومة المصرية مرتين في يوم الأحد الخامس والعشرين من شعبان سنة 1369 هـ.
وإن هذا لمن أكبر الدلائل على التقاء أفكار المسلمين، وتقارب قلوبهم وإحساسهم بما فيه الخير لأمتهم، فهذا صوت عالم كريم من النجف، يلتقى مع أصوات علماء كرام من مصر، وقد جاءتنا الأخبار بمثل هذا أيضاً عن علماء سوريا، ولا شك أن هذه نهضة مباركة نرجو أن تشمل سائر بلاد المسلمين، وأن يكون لها ما بعدها من خير الأمة الإسلامية وصلاحها إن شاء الله تعالى.