/ صفحه 340/
العالمين". ولهذا أيضاً كان أمر المشرفين على تلك البلاد، المدبرين لشئونها، من الولاة والأمراء والحكام طوال حقب التاريخ الإسلامى معروفاً مكشوفاً يتناقله الناس، وتنعقد عليه وتنفض محافل الواردين والصادرين في كل عام، وتتناوله الألسنة والآذان مشافهة وسماعا، قبل أن تخطه الأقلام في الكتب والمدوَّنات تسجيلا وحفظا، فلو أن والياً من الولاة استطاع أن يخفى سياسته وأعماله على غير شعبه، وأن يحسن بالدعاوة ما ساء من فعله، وأن يصّور الشرخيراً، والفساد صلاحا؛ فإن حاكم "الحرمين" لا يستطيع ذلك، ولا يقدر على إدخال الزيف والخديعة فيه على الإسلام والمسلمينؤ ولو كان باقعة البواقع دهاء وحنكة وسعة حيلة، ذلك بأن الشهود كثير، وكلهم أو جلهم عدول مقبولون على تعدد المطالع، واختلاف المنازع، فويل ثم ويل لمن خاس بعهد المسلمين في الحرمين، أو ضيع أمانة الله فيهما "و من أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لهم في الدنيا خزى ولهم في الآخرة عذاب عظيم".
هذا وأمة الإسلام ـ وإن فرقتها السياسة دولا، وقطعتها الأهواء في الأرض أمما ـ هى في واقع الأمر من حيث العاطفة والإحساس أمة واحدة، متضامنة في شعوبها تضامن المؤمنين "و المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر" وليسوا كغيرهم من الأمم المتقاطعة المتدابرة التي أغرى الله بين أهلها العداوة والبعضاء إلى يوم القيامة، فإذا قال الإنجليزى للألماني: هذه بلادى فلا شأن لك بها، ولا دخل لك فيها، أو ضربت روسيا بنطاق من حديد على بلادها، فلم تسمح لأحد أن يتطفل على شأن من شئونها فإننا معشر المسلمين لا نعرف المسلمين لا نعرف ذلك ولا يقوله أحد منا لأخيه، فكل مسلم يعد بلاد الإسلام كلها