/ صفحه 390/
ارءبَعَةُ رِجَال
لحضرة الأستاذ الفاضل الدكتور محمد مصطفى زيادة
رئيس قسم التاريخ بكلية الآداب بجامعة فؤاد الأول
من خلال السحب التي أثارتها أقوال المعاصرين وآراؤهم، يبدو أربعة من رجال القرن الثالث عشر الميلادى في عين الباحث الحديث نماذج إنسانية فريدة، لا تتمخض الأجيال عنها إلا نزرا. وأؤلئك ـ حسب ترتيبهم هنا ـ هم السلطان الكامل محمد الأيوبي، والقديس فرنسيس الأسيسي، والإمبراطور فردريك الثانى هو هنشتا وفن، والفيلسوف ابن سبعين الأشبيلي. وفى حياة كل من أولئك الرجال مايدل على فردية ظاهرة وباطنة ـ كل في ميدانه ـ، غير أن اتصال بعضهم ببعض في ميادين الدين والساسة والدبلوماسية والحرب والجدال الفلسفى هو موضوع هذا المقال.
أما الكامل محمد فهو خامس سلاطين الأيوبيين في مصر، وهو ابن السلطان العادل محمد بن أيوب الذي حوّل الدولة الأيوبية عن سلالة أخيه صلاح الدين إلى سلالته الفرعية، والكامل محمد لهذا شبيه شبهاً عابراً بالخليفة الأموى عبد الملك أواخر القرن السابع الميلادي، لأن عبد الملك ابنٌ لمرْ وان الذي حوّل الدولة الأموية كذلك من سلالة مؤسسها معاوية إلى سلالته المتفرعة من العاص ـ لا أبى سفيان ـ ابن أمية. على أن وجه الشبه بين السلطان الكامل محمد الأيوبى والخليفة عبد الملك الأموى يقف عند هذا، وليس في حياة الرجلين أو صفاتهما أو بيئاتهما ما يبر أو يفسر الوقوف للمقارنة التي لا ممحل لها في البحث التاريخ، وليست بذات موضوع في الدراسات التاريخية، لأن شخصيات التاريخ لا تتكرر ولا تعيد نفسها ألبتة، وهيهات ما بين الخليفة الأموى ومنبته وحاله ووضعه الزمنى والجغرافى وبين السلطان الأيوبى وأصله ونشأته ومقتضيات الحال السياسية في عصره، وكفى ما يتصدع به القاريء في كتب المحدثين أحيانا أسيفة من مقارنات ومفاضلات لا طائل تحتها، ولا معنى لها، ولا هدف منها، إلا إشباع حب الحبر المطبوع، وإكثار السطور المرصوصة نثرا ونظما. ولو رأى الكامل محمد نفسه موضوع مقارنة أو مفاضلة ملقا أو زلفى لا متعض أشد المتعاض، لا استحياءً ولا استعلاءً بل قنوعا واعتقادا بأن كل امريء ميسرُ لما خلق له. ثم إن الكامل محمداً عاش متواضعاً في غير صلف باطن أو ظاهر، طويل الروح في غير بلادة، يضع الشيء في موضعه من غيره إسراف ولا إقتار، منطويا على نفسه في غير كبرياء، هاديء المزاج في غير غطرسة خافية، مع ليونة سياسية في غير رخاوة أو تهاون أو هوان. ولست أريد أن ألقى