/ صفحه 46/
"ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم".
لم يكتف الرسول في بيان حقيقة تلك الرابطة وما تستلزمه من حقوق وواجبات بما جاء به الكتاب العزيز من إجمال، بل فصل فيها القول فأشار إلى أنها مساواة في الحقوق، ومساواة في المنزلة لا تعرف فيها السيطرة ولا سيادة الطبقات، فقال: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يحقره وكونوا عبادالله إخوانا" وقال: "لا يبع أحدكم على بيع أخيه ولا يخطب على خطبته حتى يذر" وكان عليه الصلاة والسلام لا يكاد يذكر لمسلم على مسلم أو يوصي مسلما بمسلم إلا جعل ذلك أثرا نم آثار أخوتهما التي أضفاها الإسلام عليهما.
تلك روح تظهر أن وحدة المسلمين وتآخيهم نتيجة حتمية لا عتناق هذا الدين على وجهه الصحيح، وأن تلك الوحدة لا تتم إلا بزوال الفوارق بينهم من ناحية الوطن والجنس والسلطان، فلا يكون للمسلمين إلا وطن واحد هي الأرض التي تقلهم وتضمهم مهما اتسعت أنحاؤها، وتعددت جهاتها، وتباعدت أقطارها، ثم لا يكون لهم نسب ينتسبون إليه سوي القرآن تقوم عليهم بسلطانه حكومة تنفذ فيهم أحكامة، وترفع فيهم أعلامه، وتهذبهم بأخلاقه، وتهديهم بإرشاده، وتزكيهم بتعالميه، وتربيهم على مبادئه.
إن رابطة الوطن على مالها من القوة والسلطان الآن يجب أن تقوم على أن الوطن واحد بالنسبة إلى جميع المسلمين، فلإسلام لا يفرق بين أولاطانه، ولا يجعل لكل جماعة من جماعاته وطنا تختص به وت تتعصب له وتدفع عنه دون غيره، فليس للوطن في واقع الأمر حدود إلا ما يجعله أهله حدآله وغاية ينتهي إليها، فكثيرا منا تضيق الأوطان وتتسع تبعا لرغبات ساكنيها ونتيجة لبسط سلطانه وانقباضه، والوطن كما يصح ألا يجاوز السكن يصح أن يتسع حتى يعم القرية أو المدينة، كما يصح أن يتجاوز ذلك إلى بعض المزارع والقري المجاورة،