/ صفحة 115 /
بسم الله الرحمن الرحيم
كلمة التحرير
شُغِل العالم الإسلامي أخيراً بحالة الحرم النبوي الشريف، إذ جاءت الأنباء بأن خللا خطيراً أصاب أعمدته منذ سنوات، وأن قبته الخضراء المشهورة التي هي أول ما يراه القادمون إلى المدينة المنورة فتخفق له قلوبهم، وتدمع من الفرح عيونهم؛ توشك أن تنهار، فاضطربت لذلك قلوب المؤمنين، واهتزت عواطفهم، وشملتهم جميعاً في مختلف شعوبهم وطوائفهم مَوجة من الأسف، بل من الحزن العميق، على اصار الأمر بالحرم الذي يضم أكرم جدث إلى هذه الحال وهم عنه غافلون، وهبُّوا يعربون بما استطاعوا من الوسائل عن بالغ استيائهم، وعميق حزنهم، وكان التنافس في ذلك عظيما بين الشعوب والحكومات والملوك والأمراء والعلماء، كلٌّ يريد أن يكون من السابقين في هذا المضمار.
ولا شك أن هذه الحركة المباركة قد كشفت عن روح طيب يعمر نفوس أهل الإسلام، ويدل على أنهم ـ مهما حاولت السياسة والنظم والحدود أن تظهرهم بمظهر التفرق أو التعدد ـ أمةٌ واحدة مؤتلفة القلوب يشعر قاصيها بما يشعر به دانيها، وتربط بينها روابط من صنع الله لا انفصام لها.
بَيد أنها كشق أيضاً ـ ويجب أن نكون صرحاء ـ عن أمر عَجبٍ في تصرف إخواننا النجديين يحتاج إلى تفسير: ذلك أن حكومتهم بالحجاز ظلت ساكنة صامتة عن هذا الأمر كأنها غائبة عنه، أوكانه لا يعنيها، حتى إذا حمى الوطيس، وبلغت حماسة الأمة الإسلامية أوجهاً، ما بين عاتب وغاضب وصاخب؛ ظهرت فشكرت واعتذرت وأعلنت أنها ستصلح ما فسد، وأن (الجيب السعودي) العامر يستكفل بنفقات هذا الإصلاح بالغة ما بلغت، وأن الأمر لا يتطلب بعد ذلك إلا معونة أهل الذكر من الفنيين.