/ صفحة 133 /
ونحن إذا تذكرنا ما عرضت له هذه السورة من مواقف المؤمنين مع أهل الكتاب يهوديهم ونصرانيهم، ومواقف الحرب بين المؤمنين والمشركين في حالة النصر مع قلة العدد والعُدد بسبب الصبر وحسن الطاعة والاعتماد على الله، وحالة الهزيمة مع الكثرة بسبب المخالفة والعصيان، ومواقف المؤمنين مع المنافقين الذين كانوا يرجفون عليهم بأساليب التغرير والتخذيل والكيد، ومن ارشادات الله في كل هذه المواقف إلى ما يحفظ على الأمة كيانها، ويثبت أقدامها، ويحقق لها نصر الله الذي وعدها، سواء فيها يقع بينهم وبين أعدائهم، أوفيما يقع بين بعضهم وبعض ـ إذا تذكرنا هذا كله، واستحضرناه أمام أعيننا، واستحضرنا أن القيام به ليس بالشيء الهين اليسير عرفنا كيف قضت الحكمة بأن تختم هذه السورة بالإرشاد إلى العلاج فيما حدث، والوقاية مما عسى أن يحدث ولا يكون هذا العلاج الا بالصبر والمصابره ولا تكون هذه الوقايه إلا بالرباط والوقوف أمام منافذ الشر بما يدرؤه ويرده من حيث أتى، والتقوى ملاك العلاج والوقاية كليهما، وسبيل الحصول على الكمال المقدر للإنسان في هذه الحياة باجتناب ما يضر، واجتلاب ما ينفع، وذلك عين الفلاح الذي وعد الله به المؤمنين.
* * *
هذه هي النداءات الإلهية التي تضمنتها سورة آل عمران إرشاداً للمؤمنين، وتعليما لهم، وبياناً لكل ما تصلح عليه شئونهم، وتستقيم به دولتهم وأمتهم، ويدرءون به عن أنفسهم مخاطر الفشل، ومكايد الأعداء، ووساوس الشيطان، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.