/ صفحة 150 /
خطر العَامة على الخاصّة
لحضرة الأستاذ عبد الوهاب حموده
أستاذ الأدب الحديث بكلية الآداب بجامعة فؤاد الأول
الناس من ناحية الثقافة العقلية ينقسمون ثلاثة أقسام: علماء راسخون، وأوساط متعلمون، وعامة مقلدون.
وكل طبقة من هذه الطبقات الثلاث تتطلب غذاء عقلياً يناسبها، وإقناعا روحيا يوأئمها، فإن ما يكفى الطبقة الدنيا من أبواب المعرفة، لا يقنع الطبقة العليا من الراسخين. لذلك جاء القرآن الكريم، وقد اشتمل على أنواع من الأدلة تتناسب مع العقول على اختلاف درجاتها، وضروب من البراهين تكفي لإقناع الأفهام مع تباين أنواعها، ثم طلب إلى كل نوع أن يقف عند حده لا يتجاوزه، فلم يطالب العامة بما طالب به الخاصة من التأمل والتفكير، والأخذ في أسباب البحث والتأويل.
يقول الغزالي في كتابه (الاقتصاد في الاعتقاد).:
(اعلم أن الأدلة التي نحررها في هذا العلم ـ علم الكلام ـ تجري مجرى الأدوية التي يعالج بها مرض القلوب، والطبيب المستعمل لها إن لم يكن حاذقا، ثاقب العقل، رصين الرأي، كان ما يفسده بدوائه اكثر مما يصلحه ـ فلا ينبغي أن نشوش على العامة عقائدهم، فإنه إذا تليت عليهم هذه الإشكالات وحلها، لم يؤمن أن تعلق بأفهامهم مشكلة من المشكلاتـ وتستولي عليها، ولا تمحي عنها بما يذكرمن طرق الحل).
والاسلام لم يجعل قبول دعوته منوطا بأناس مخصوصين، وعمال متوضفين، بل دعا إليه كل ذي عقل، ونادى إلى اعتناقه كل مدرك، فليس هناك وسيط بين