/ صفحة 159 /
قول الله تعالى: (إن الحكم إلا لله بقص الحق وهو خير الفاصلين). (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون). (يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم، فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا) فلم يأمر الله سبحانه ـ عند التنازع والالتباس ـ بالرجوع إلى المحسنات والتعليلات التي لا تمت إلى الكتاب والسنة بصلة قريبة أو بعيدة، وقد اتفقت كلمة المذاهب على أن كل محدثة يدعة، وكل بدعة ضلالة،
أما الشيء الذي لا نص عليه بالذات فيستخرج حكمه من عمومات الكتاب والسنة (ما فرطنا في الكتاب من شيء).(ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء) فقول الله: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) يدل بعمومه على حلية كل قديم وجديد لم يقم الدليل على حرمته، وأظهر منه في الدلالة حديث: (رفع عن أمتي ما لا يعلمون) كما دل قوله سبحانه: (ما جعل عليكم في الدين من حرج) (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) وحديث (لا ضرر ولا ضرار) على أن الأحكام الثابتة لعناوينها لا تشمل مورد الحرج والضرر، فوجوب جلد الزاني الثابت بآية (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة، لا يتجه على من يؤدي جلده إلى هلاكه، وصوم شهر رمضان لا يطلب من المريض.
إن الآيات والأحاديث الدالة على أحكام عامة لا يحصيها العد والبيان، ومعها لا نحتاج إلى تصريح خاص في حادثة تعرض لنا من جديد، بل نثبت بها أحكاماً لموضوعات لم يرد فيها نص بالخصوص، وننفي احكاماً عن بعض افراد المفاهيم التي ثبت حكمها بالدليل القطعي، ننفي الحكم الثابت في مرحلة التشريع والإنشاء لمصلحة أهم وأقوى وغاية أنفع وأسمى، هذا الميدان الفسيح يغني عن كل تعليل لا شاهد عليه من التنزيل.
ولو تتبعنا أقوال الفقهاء ولاحظنا الأدلة التي يعتمدونها لاستخراج الحكم، لرأينا كثيراً منهم يخرج أحيانا عن هذه الجادة القويمة من حيث يقصد السير عليها