/ صفحة 178 /
(2) إلى أي حد كان أثر ابن عربي في التفكير الإسلامي،
وفي الأدب الفني العربي، وفي الآداب العربية؟
ابن عربي في فلسفته لم يأت بجديد، فلم يضم فكرة إلى فكرة سابقة، كما أنه لم ييسر هذه الفِكَِر للعقلية الإسلامية، بل بالعكس كان لأسلوبه الخاص في معالجتها أثر في تعقيدها، وبالتالي في تعقيد مرماه، وأخيراً في صعوبة الحكم على ميله الديني ونزعته الاعتقادية.
ولكنه من ناحية أخرى أضاف إلى الأدب الفني موضوعا لم يطرق من قبل وهو موضوع القصة في الفلسفة. فهو يستخدم الخيال الشعري في معالجة موضوعات فلسفية كانت نتاج الفكر البشري في عدة قرون. ثم مع إضافته هذا النوع الجديد إلى الأدب الفني لم يكن مقصراً فيه، بل كان متقناً مجيداً في كثير من الأحيان. فيقول مثلا في التعبير عن فكرة الإفلاطونية الحديثة في شوق النفس إلى الله ورغبتها في الاتحاد به عن طريق التفكير فيه:
لما بدا السر في فؤادي فنى وجودي وغاب نجمي
وحال قلبي لسر ربي وغبت عن رسم حس جسمي
وجئت منه به إليه في مركب من سني عزمي
نشرت فيه قلاع فكري في لجة من خفي علمي
هبت عليه رياح شوقي فمر في البحر مر سهم
فجزت بحر الدنو حتى أبصرت جهراً من لا أسمى
هو مع الابتكار في الانتاج الفلسفي قد غذى الآداب العربية بمجموعة من المؤلفات تشهد له بكثرة الاطلاع، والقدرة على الاستيعاب.
* * *
ابن عربي عنوان واضح لثقافة عصره، وأديب في فلسفته، ومكثر في تأليفه.