/ صفحة 183 /
ولكن بعض من ينتصر لزيادة)كلها في النار إلا واحدة(رأى أن يوفق بين الحديثين، حتى لا تبطل هذه الزيادة بالمعارضة بينهما، فحمل أحدهما على الابتداء، والآخر على الانتهاء، يعني أن هذه الفرق تدخل النار كما يدخلها سائر العصاة، ثم تخرج منها تدخل الجنة كما يدخلونها بعد تعذيبهم على عصيانهم، وبهذا يصح أن يقال في هذه الفرق)كلها في الجنة إلا الزنادقة(لأنها تدخل الجنة في نهاية أمرها، أما الزنادقة فيخلدون في النار، لأنهم يخفون الكفر ويظهرون الإسلام، وهذا التوفيق إنّما يقبل بعد صحة الحديث الذي وردت فيه تلك الزيادة)كلها في النار إلا واحدة(فإذا لم يكن صحيحاً كما سبق لم يقبل حمل الآخر عليه، لأنه لا يقبل حمل صحيح على غير صحيح.
ثم إن تفرقه أبي منصور البغدادي بين المختلفين في الأصول والمختلفين في الفروع غير مقبولة، لأنه بنى هذه التفرقة على أن ما اختلف فيه أئمة الفقه ليس فيه بينهم تكفير أو تضليل، ومثل هذا لا يصح أن يبني عليه تفرقة بين الفريقين لأن تكفير بعض المختلفين في الأصول لبعض، أو تضليل بعضهم لبعض ليس في شيء من الصواب، وكان الواجب أن يقتصر ما بينهم على الإقناع بالدليل، من غير أن يطعن أحدهم في الآخر بكفر أو تضليل، وهذا هو ما تسعى إليه الآن جماعة التقريب بين المذاهب الإسلامية، فإذا وصلت إلى هذا ـ وستصل إليه إن شاء الله تعالى ـ جرى الخلاف بين المختلفين في الأصول كما يجري بين المختلفين في الفروع، فلا يكون بينهم طعن في العقائد، ولا يكون هناك وجه لنلك التفرقة التي ذهب إليها أبو منصور البغدادي، وقامت على أساسها دراسة علم التوحيد، كما قامت على أساس ذلك الحديث السابق، كلاهما غير صحيح.
(يتبع)