/ صفحة 31 /
ولما اكتشف الأوربيون أمريكا كانوا يرسلون بسفنهم إلى شواطئ أفريقا فيختطفون من السود ألوفا ويقذفون بهم فيما حتى تضيق بهم، فكان يموت منهم وهم فيها عدد كبير، فيقذفون بهم في اليم، ويسخرون من بقي في تمهيد الأراضي للزراعة، مثلهم فيها كمثل الأنعام، غير متكلفين في مأكلهم وملبسهم ما هو ضروري للحياة، فتجتاحهم الأمراض والأوبئة، مع أنه لولا هم لشق على الأوربيين تمهيد تلك الأراضي واستغلالها، فكان هؤلاء الأسرى يعيشون محرومين من الحقوق الاجتماعية، بل والبشرية أيضاً، فلا حق لهم يطالبون به، ولا حامي لهم يلجأون إليه ولا يزال في أمريكا عشرات الألوف من ذراريهم عاشوا فيها منبوذين إلى عهد غير بعيد، فلما أهلَّ لديهم عهد الدستور، منح السود بعض الحقوق، ولكن النفوس لم تر رأي الدستور، فبقى السود منحطين في نظر البيض، حتى كانوا يمنعونهم من غشينان المحلات العامة، ولم تخف وطأة هذا الاضطهاد إلا في السنوات الخمسين الماضية من القرن الذي نحن فيه، ولم تزل منه بقية هنا لك.
أين هذا مما شرعه الإسلام في الاسترقاق منذ أربعة عشر قرنا، إذ حصره في أسرى الحروب الشرعية، لا في السود ولا في أي جنس بعينه، فليس لمسلم حق في أن يشتري إنسانا لم يكن اسير حرب شرعية، فأين هذا مما كانت عليه الأمم بل أين هم مما شرعه في حق من يحل أسره من حسن المعاملة، والرفق والمرحمة، مما حلى الله به خاتم رسله من فهم معنى الحياة البشرية، وفقه أصولها القيمة، والوعي الصحيح للعدالة المثالية التي عجز عن وعيها إلى عهده أئمة العلم، وأراكين الفلسفة.
وقبل أن نلم بالوصايا التي جاءت في الإسلام في موضوع الرق والأرقاء نعطي القراء فذلكة عن تاريخ الاسترقاق عند الأوروبيين الذين أكثروا من التشنيع علينا بسببه كأننا الذين ابتدعوه أو اسرفوا فيه:
وجد الاسترقاق منذ وجد الإنسان، فإن القوي يغلب الضعيف ويأسره ويسخره لخدمته.