/ صفحة 395/
المستقبل في كل احتمالاته. وهذه فضيلة لا يمكها المرابون، لأنهم يريدون ربحاً بغير مخاطرة، وذلك هو ما يسمى تحريف قواعد الحياة ومحاولة تبديل نظمها.
هكذا إذا سرنا وفقاً للأصول والمبادىء الاقتصادية في أدق حدودها كانت لنا الخيرة بين نظامين اثنين لا ثالث لهما: فاما نظام يتضامن فيه رب المال والعامل في الربح والخسر، واما نظام لا يشترك فيه معه في ربح ولا خسر. ولا ثالث لهما الا أن يكون تلفيقاً من الجور والمحاباة.
هذه ـ فيما أرى ـ هي الأسس الأدبية والاجتماعية والاقتصادية التي قامت عليها وجهة نظر الإسلام في قضية الربا.
وأما المسألة الثانية وهي حكم الربا في وقتنا هذا فانها ليست قضية ((مبدأ)) وإنّما هي قضية ((تطبيق)) واني أخشى أن أطيل فيها فأعتدى على موضوع زميلي وصديقي الدكتور الدواليبي رئيس مجلس النواب السوري، وهي فوق ذلك ليست فيما أرى من الشئون التي يقضى فيها فرد أو بضعة أفراد، بل ينبغي أن يتداعى لها طوائف من الخبراء في القانون والسياسة والاقتصاد من كل جانب، وأن يدرسوها دراسة دقيقة مستفيضة من جميع نواحيها الحاضرة والمستقبلة.
وكل ما أريد أن أقوله الآن يتلخص في جملتين صغيرتين، أرجوان يتخذا أساساً للبحث في التفاصيل.
الأولى: هي أن الإسلام قد وضع إلى جانب كل قانون، بل فوق كل قانون قانوناً أعلى يقوم على الضرورة التي تبيح كل محظور ((وقد فصل لكم ما حرم عليكم الا ما اضطررتم إليه)) (6 / 191).
الثانية: هي أنه لأجل أن يكون تطبيق قانون الضرورة على مسألة ما تطبيقا مشروعا لا يكفى أن يكون المرء عالما بقواعد الشريعة، بل يجب أن يكون له من الورع والتقوى، ما يحجزه عن التوسع أو عن التسرع في تطبيق الرخصة على غير موضعها، كما يجب أن يبدأ باستناد كل الحلول الممكنة المشروعة في الإسلام، فانه ان فعل ذلك عسى ألا يجد حاجة للترخص ولا للاستثناء، كما هي سنة الله في أهل العزائم من المؤمنين. ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب)) (65 / 2 ـ 3).