/ صفحة 397/
1 ـ ولهذا ليس الفيلسوف هو صاحب المعرفة والناطق بالحكمة، بل هو الذي يعشق المعرفة، ويرى متعته الدائمة في الحكمة، فعشقه المعرفة يدفعه لأن يعيش من أجلها وفي سبيلها، وإذا عاش من أجلها وفي سبيلها تحرى الحقيقة وكشف عنها، وبعبارة أخرى قصد بمعرفته السعى إلى قيم الوجود. وسيصل إليها لأنه حينئذ في منأى عن عوامل الانحراف في ادراكها، وهذه العوامل لا تتجاوز ربط العقل الانساني في عملية التوجه الفكري بالغايات القريبة في محيط الفرد، وهي الغايات الشخصية أو الفردية، أو هي التي تسمى بالأهواء والشهوات.
والفيلسوف أو العاشق للمعرفة. لا يتحرى في معرفته حقيقة الوجود أو قيمه فحسب بل يمثل مع ذلك الإنسان ((العادل)) أو الإنسان ((العام)) في السلوك والتصرفات. والإنسان العادل هو الذي يزن ويقدر ويعدل في وزنه وتقديره، وذلك أيضاً شأن الإنسان العام وهو الذي يرعى في أحكامه الاعتبارات العامة، دون أن يتأثر بالجانب الشخصي في الحكم والتقدير.
وهو لهذا كما ينعت بمحب الحكمة يوصف أيضاً بأنه صاحب سلوك أخلاقي. ولأنه في سعيه، وفهمه، وسلوكه على هذا النحو طلب في فترة من الزمن لتكوين ((مدينة فاضلة)) أن يكون على رأسها فيلسوف.
2 ـ ورجل الدين كذلك ليس هو الذي يحافظ على شعائر العبادة، وليس هو أيضاً صاحب الفتوى في أمور العقيدة، إنّما هو المؤمن بما ارتضاه لنفسه دينا، إذ عندئذ يكون قد وصل إلى الدين كاحدى قيم هذا الوجود الانساني، وأدرك أنه في نفسه غاية، وينبىء عن ايمانه يسر التضحية في سبيل ما آمن به من دين وعقيدة، سواءاً كان بنفسه أم بماله وولده، فالتضحية على هذا النحو ضرب من ضروب السلوك الخارجي للإنسان، الذي يدل دلالة واضحة على أن هذا الإنسان لم يجعل ذاته ولا دنياه هدفا أخيراً في حياته، بل على العكس جعل الدين هو الغاية النهائية، وذلك هو نفسه الاعتراف بأن الدين قيمة من قيم هذا الوجود يطلب لذاته، ولا يكون وسيلة أو مقدمة لشيء آخر بعده.