/ صفحة 49 /
طريق ما يسمى بالانسجام بينهما. هدفها إضعاف الفوارق الفردية بين الطرفين إضعافاً يقترب بهما من أن يكونا نفساً واحدة وذاتاً واحدة. فإن لم يصل الزوجان إلى تقارب نفسي أوانسجام، وبقيت الفوارق الفردية على قوتها انهدم معنى الأسرة وكيانها، أو بعبارة أخرى بقى الزوجان اثنين أو متعددين. وفي إنسجام الأسرة سعادتها أو خيرها، وفي عدم انسجامها شقاؤها أو شرها.
فالتعدد في الأسرة يهدف إلى الوحدة إذن، أوهو أساسها، كما يصح بالتالي أن يكون أساس السعادة أو الخير، وإن كان في طبيعته يحمل معنى الشقاء أو الشر.
* * *
والقوم جماعة إنسانية متعددة الأفراد كذلك. وهدف أي قوم تماسك أفراده، أو صيرورة عدده الكثير إلى وحدة منسجمة. هدف أي قوم أن يكون قويا بحكم ما يميله عليه حفظ بقائه بين الأقوام الأخرى. وقوته في تضامنه بحيث إذا اشتكى من أفراده فرد تداعي له جميع الأفراد بالحمى والسهر، ومنتهى قوته في وحدته. وفي وحدته اطمئنانه إذن لما يقع عليه من أحداث خارجية، إذ يستطيع عندئذ ردها. في وحدته الخير كله له. وفي بقائه متفرق الأفراد، متفرق الكلمة والتوجيه عدم اطمئنانه واستقراره. وليس عدم الاطمئنان لأي قوم على كيانه ـ كقوم وجماعة ـ إلا ما يوصف باسم (الشر) في الجماعة.
فطبيعة تعدد الأفراد في أي قوم توحى بالسعي إلى الوحدة بينهم. وفي الوحدة يرى كل قوم معنى الخير له، كما يرى الشر في بقائه منثوراً غير موحد لعي أمل وغاية. وإذن التعدد في القوم أساس الوحدة، والشر فيه أساس الخير له.
* * *
والعالم كله ـ وهو متعدد كثير ـ يسعى للوحدة. لأن أي كائن فيه يسعى إلى الوحدة بحكم ما فيه من ازدواج واثنينية. وفي صيرورة العالم إلى الوحدة ينتهي به الأمر إلى الخير، لأن الخير ليس أكثر من إضعاف معنى التعدد في الكائن وبالتالي في العالم. والوجود كله ينتهي حتما إلى وحدة، وفيها خيره أو هي والخير سواء.