/ صفحة 70 /
فلسفة الخلق
لحضرة صاحب الفضيلة السيد حسن الحيدري
من علماء الكاظمية بالعراق
إن من أهم المشاكل الفلسفية التي شغلت بال فلاسفة الأمم من قديم الزمان وحتى الآن: معرفة حكمة هذا الخلق، وما هي العلة الغائية لإيجاده، وقد اختلفت آراء الحكماء في هذه المسألة شأنهم في كل مسألة تكون مجالا لتفكيرهم. فأما من مال إلى مذهب أهل التصوف من الفلاسفة، وسلك طريقتهم في تفكيره فإن هذه المشكلة عنده تنحل من أساسها بل لا يبقى لها معنى، وذلك بواسطة نظرية وحدة الوجود، لأنها تئول إلى نفي ما سوى الله، ويقولون ليس في الوجود إلا الله، ويزعمون أن هذا أعلى مراتب التوحيد.
فكما أنا معاشر المسلمين نوحد الله في الخلق والعبادة، ونقول: لا إله إلا الله (هل من خالق غير الله) فإنهم يوحدون الله حتى في الوجود، ويقولون: لا موجود إلا الله، فتراهم أفرطوا في التوحيد حتى أنكروا المخلوق، كما فرّط آخرون فأنكروا الخالق، وأما ما يتراءى من الأشياء والكائنات بأسرها فما هي في نظر هؤلاء المتصوفة إلا ظل للحقيقة الأزلية، وليس لها حقائق مستقلة بذواتها، وقائمة بنفسها، بل هي بمثابة صفات أو تجليات أو أجزاء للوجود الأزلي والكائن الأول.
ولعمري إن هذه العقيدة لا تقل خطراً على الأديان والأخلاق عن القول بإنكار الخالق، إذ على هذا تزول مسئولية الإنسان عن جرائمه، ولا يبقى معنى للدينوية والعقاب والنواب.
ومن الفلاسفة من قال: إن نسبة العالم إلى الله كنسبة النور إلى الكوكب، والعطر إلى الأزهار، وهؤلاء حلوا المشكلة من ناحيتين لأنهم: