/ صفحة 300 /
القرآن والطبائع النفسية
لحضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الشيخ علي محمد حسن العماري
مبعوث الأزهر في السودان
عنى القرآن بكثير من الطبائع الإنسانية، فكشف عنها، وأبرزها واضحة جلية، فمثلاً طبيعة الالتجاء إلى الله في الشدة والإعراض عنه في الرخاء، أطال فيها القول، وعرضها في صورة مختلفة (وإذا مس الإنسان ضر دعاربه منيبا إليه ثم إذا خوله نعمة منه نسى ما كان يدعو إليه من قبل، وجعل لله أنداداً ليضل عن سبيله). (وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه، وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض) كذلك تحدث عن غريزة حب الانتقام، وعن غريزة التقليد، وعن المنافسة والسيطرة، وما إلى ذلك، وهو بهذا يظهر النفس البشرية علي حقيقتها، ويكشفها للحياة لتأخذ منها وتدع، ومن هذه الطبائع التي تحدث عنها القرآن ما يحدث في النفس البشرية من أثر الغني بعد الفقر، وما يتركه الغني الواسع من آثار سيئة في أصحابه أو في المجتمع الذي يعيشون فيه، وهي تتصل اتصالاً قوياً بطبيعة الالتجاء إلى الله في الشدة والإعراض عنه في الرخاء، وإن كان القرآن سلك بكل منهما مسلكاً على حدة، يتبين ذلك من تتبع الآيات الواردة في كل من المعنيين.
ومن الثابت المقرر أن الله تعالى قد يبتلي بعض عباده بالحمى أو الطاعون أو نحو ذلك، وقد يبتليه كذلك بداء الفقر، أو بداء الغني (ولو بسط الله الرزق