/ صفحة 340 /
يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، فهم أذلاء مستضعفون، يقيمون على الخسف، ويصبرون على الضيم، ولا تعنيهم أرواحهم وعقولهم وما يتظاهرون بالغيرة عليه من المبادئ والمثل، ما دامت جسومهم مرفهَّه، وشئونهم ميسرة.
ومن سنن الله في خلقه أنه إذا صحت العزيمة، وانُّبِعت السبلُ القويمة، وكان المقصود هو الله جل جلاله، فلابد من التوفيق والنجاح، ذلك بأن الله تعالى يقول: (والذين جاهدوا فينا لهدينهم سبلنا) فالمجاهدون هم الذين صحت منهم العزائم، وشرط الإخلاص لله مفهوم من قوله (فينا) أما اتباع السبل القويمة، واتخاذ الأسباب السليمة، فذلك هو ا لإحسان (وإن الله لمع المحسنين).
ولهذا نجحت هجرة النبي وأصحابه، صلوات الله وسلامه عليهم، لأنها كانت عَزْمة في سبيل الله من قوم اولى أيمان وإحسان، فجعلها الله سبباً في القوة بعد الضعف، والعزة بعد الذل، والأمنَة بعد الخوف، وأصبح هذا المهجَر الذي أوى ونصر: مطلع نور الإسلام، ومبعث الهدى والرحمة للناس أجمعين، ولم يمض أمد طويل حتى أسلمت (مكة) قيادها لفتاها الأمين الذي خرج منها بالأمس خائفا يترقب، وصدق الله وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وعزم الأحزاب وحده
* * *
وشهر (المحرم) أحد أشهر أربعة كرمها الله تعالى، إذ ميزها على ما سواها بأن تكون أشهر أمن وسلام، لا حرب فيها ولا قتال، يستريح فيها الناس بعضهم من بعض، ويفيئون إلى ظل ظليل قد يقضي بهم إلى التفاهم بالتي هي أحسن، وينزع من قلوبهم الغل والسخائم، وإنها لذريعة من ذرائع الخير والبر بالإنسانية يهدى إليها الإسلام، ويوحى بها إلى ما يبتغيه للناس من محبة وسلام، وما يحرص عليه من حقن دمائهم، ودرء شرهم، وفتح أبواب التفاهم بينهم.
ولو أن (هيئة إلأمم) أخذت بهذا النظام فجعلت للسلام اشهراً توجبه فيها على المتحاربين، لخففت الكوارث، وأحيت الآمال في التفاهم، وأذاقت المتحاربين