/ صفحة 40 /
أما ما تراه المذاهب الاجتماعية من جعل "التكتل" والاتحاد" الهدف الأول للجماعة المتحضرة في سعيها وتطورها، ثم ما تطلبه هذه المذاهب في توجيه الجماعة البدائية لتحقيق هذا الهدف من محاولة كبت أنانية الأفراد، وتقوية "الاستعدادات الاجتماعية" فيها مما يسميه علماء النفس: المشاركة الوجدانية والعواطف والنزعات الاجتماعية عن طريق القيام بالمعاونة لذات المعاونة ولحفظ كرامة الإنسانية - فبعيد كل البعد عما تعنى به "المادية" في التوجيه. لأن المعاونة لذات المعاونة أمر ليس له مقابل مادي، وحفظ كرامة الإنسانية من القيم المعنوية التي تقصد لذاتها دون أن تكون منطوية على مغنم مادي.
(ب) و"الروحية" - أو المذهب العقلي - في التوجيه تقوم العقل لو الروح، أو القوة الخفية وراء المحسوس المشاهد كأصل للوجود، وتعتبر الوجود المادي مظهراً لها، أو أثراً من آثارها. وقد تبالغ في الاستخفاف بالمادة فتنكر عليها الوجود، كما تنكر عليها صلتها بالحقيقة والواقع. والروحية في الجانب الأخلاقي تحاول إقناع الإنسان ب "المثل العليا" وبقيمها، كما تحاول أن توجه سعيه الإنساني وإرادته نحوها. لكن إن خلا هذا المذهب من الاعتراف بالوجود المادي كوسيلة لتبليغ الإنسان مثله العليا، وكفوة يحقق الإنسان عن طريقها ما اقتنع به من قيم رفيعة في الوجود، أصبح حلماً أو خيالا. والدين السماوي يلتقي مع المذاهب الروحية في التوجيه: فهو يبشر بقوة إلهية في الوجود ليست هي المادة ولا مظاهرها، وينسب إليها أحداث الوجود، وما يقع فيه من تغيرات، ويجعلها هدف الإنسان في كفاحه وسعيه، ويحدد غاية الإنسان الأخيرة بقربه منها كما يحدد سعادته التامة باجتلاء محاسنها وجمالها.