/ صفحة 401/
نعم إن الرسول ترك مصير أخلاقه الذين نقضوا المعاهدة بين يدي حليفهم سعد بن معاذ بناء على طلبهم، إذ لا يسعه أن يرفض طلباً كهذا كما عرف عن أخلاقه، فلما حكم سعد أن تقتل الرجال وتقسم الأموال وتسبي الذراري والنساء وتكون الدور للمهاجرين دون الأنصار جزاءً وفاقاً لمن خانوا العهد، قال: (لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة طباق) ثم أرسلت بعض السبايا فبيعت في أسواق نجد، واشتري بالثمن الخيل والسلاح كما أشار عمر. أفبعد هذا يقول الشيخ علي عبد الرازق إن رسالة الرسول رسالة روحية محض لا تطوي على أي معنى من معاني الدولة، وإن الإسلام لم يأتي نظام سياسي!.
ومع ذلك فقد انطوت اجراءاتهم الدولية على كثير من مكارم الأخلاق، حتى قال أحد مؤرخي حضارتهم من الأجانب: (ما عرف التاريخ فاتحاً أرحم من العرب) وما ذلك إلا لأنهم أخضعوا قواعد سياستهم إلى مثل أخلاقية عليا.
ومن أمثلة ذلك، أن خالد بن الوليد دخل دمشق فاتحاً من جانب ودخلها أبو عبيدة بن الجراح صلحاً من جانب آخر، فأجرى الفاتحون الفتح كله صلحا. وقد اشتكى أهل سمرقند أن القائد قتيبة دخل مدينتهم غدراً، فأقام لهم واليهم (القاضي جميع بن حاضر الباجي) بأمر الخليفة عمر بن عبد العزيز، فقضى بإخراج عسكر المسلمين، ثم انظر إلى مواقف صلاح الدين الأيوبي من الحروب الصليبية، كيف كان العنصر الأخلاقي يجد من صرامته العسكرية فيجعله فوق مستوى ما ينتظر من قائد عسكري قاسي من توحش الصليبيين وبربريتهم ألواناً تستنفز نفوس الأنبياء مما جعل الصليبيين أنفسهم يقدرون بأعجاب هذه المزايا فيه.
إن مدى ربط الدين بالدولة، يجب أن ينتهي إلى هذا الحد، وهو الحد الذي يجعل الأعمال الدولية في مأمن من الخروج على شريعة الخلق النبيل. فلا تكون السياسة الدولية مثلا وسيلة لاستثمار دنئ، يفضي إلى القضاء على حرية شعب في سبيل رفاهية شعب آخر. وهو ما أمنته الشعوب التي خضعت لسيوف العرب في ظل قانون يربط بين الدين والدولة في المفهوم الذي قررناه، ولم تأمنه