/ صفحة 425/
القرآن والطبائع النفسية
لحضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الشيخ على محمد حسن العماري
مبعوث الأزهر في السودان
ـــــ
البشرية من قديم الزمان ـ حين تفضل ـ تجعل الفضل كله للمال والجاه، ولا ترى لإنسان كرما ولا مروءة إلا إذا كان من أصحاب القصور والضياع أو من كناز الذهب والفضة، وقد عبر عن هذا المعنى الشاعر العربي تعبيراً هادئاً ساذجا، ولكنه قوى لطيف، عميق الدلالة، بعيد المغزي، فقال:
إذا قلت يوما لمن قد ترى ***** أزوني السرى أروك الغنى
فأنت تريد من الناس أن يدلوك على صاحب النفس العالية والخلال الحميدة، ولكنهم ـ بدافع من غرائزهم وحماقاتهم ـ يسوقونك أمامهم، ويرفعون أكفهم ويشيرون إلى غني من الأغنياء!.
هذا المعنى المستولي على النفوس، الجاثم على الصدور، حظي من القرآن الكريم بتصوير واضح بارز، وجاء في أكثر من آية، وقد سيق في موقف الأمم من انبيائهم، أو على وجه الدقة في موقف أغنياء الأمم من الرسل الذين بعثهم الله.
(فنوح) (عليه السلام) يدعو قومه ألف سنة إلا خمسين عاما فلا يسمع منهم إلا السخرية والاستهزاء به وبمن اتبعه، ويجابهه الملأ من قومه فيقولون له: (ما نراك إلا بشراً مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي وما نرى لكم علينا من فضل) يقول جار الله الزمخشري: وإنما استرذلوا المؤمنين لفقرهم وتأخرهم في الأسباب الدنيوية، لأنهم ـ يريد قوم نوح ـ كانوا جهالا، ما كانوا يعلمون إلا ظاهراً من الحياة الدنيا، فكان الأشرف عندهم من له جاه ومال، كما ترى أكثر المتسمين بالإسلام يعتقدون ذلك، ويبنون عليه إكرامهم