/ صفحة 144/
في برية أعرابياً إلى طعامه فقال: انه صائم، فقال انه طعام طيب، فقال:
ما طيبة خبازك ولا طباخك; ولكن طيبته العافية، وسمعت من الكلام المأثور:
نعم الادام العافية، أي ان الإنسان المعافي لايحتاج إلى أدام الخبز، بل يلذ أكله حافّا بالعافية؟ وأشمل العافية ما جاءت في الكلمة الجامعة: أللّهم انى أسألك العفو والعافية في الدين والدنيا والاخرة.
والناس لا يقدرون العافية ما داموا فيها، كالماء لايقدره الا فاقده، فهو كما قيل: أعز مفقود وأهون موجود، فمن رزق العافية الشاملة فما سواها لعب في الحياة ولهو، ان ناله لهابه ولعب، وان لم ينله لم يكن حريا أن يأسى عليه، واعتبر هذا بالمريض يهون عليه كل شيء الا الصحة، وكل ما يعده متاعاً في المعيشة أو جاها وسلطانا، قليل حقير في جانب صحته، وما الصحة الا بعض العافية.
العافية هي براءة الإنسان من كل ما يكره، وعلى الحقيقة براءة الإنسان من كل ما يكره العقلاء، فإن أسى بعض الناس على مافاته من كنز الاموال، وسعة السلطان فأخل هذا بعافيته لم يخل هذا بعافية العاقل، إنّما يخل بالعافية فوات الصحة في البدن، أو الكفاف في القوت، أو الامن في الجماعة، أو السلامة في الخلق، أو فوات أحد هذه في الاهل والولد والاقرباء، فمن رزق العافية في هؤلاء لم يكن أساه بعد الا نقصا في عقله، ولم تختل عافيته الا بهذا النقص، فهو في حاجة إلى أن يعافي منه.
فكرت فيما يحيط بالانسان من آلام وآمال، وما يغريه من سمعة وبسطة في الرزق، وسعة في الجاه، ومرّت علىّ مطامع الناس وأهواؤهم وما يعبّدهم من الاحقاد والشهوات، فاستعذت بالله فوجدت أمنع ما أمتنع به وأعز ما ألوذ به وأعوذ: أن أسأل الله العافية في الدين والدنيا والاخرة، والعافية من كل ما ينقص هذه العافية من آفة في الرأي، وخلل في الفكر.