/ صفحة 162/
فإن الوالى متى يتجر يستأثر ويصب أموراً فيها عنت مهما حرص على أن لايفعل)) .
وقد بدأ عمر بن عبدالعزيز بنفسه ليكون أسوة للعمال والولاة، فلما وصله الرطب من أمير الاردن، وعلم أنه جاء على دواب البريد، أمر ببيعه وجعل ثمنه في علف تلك الدواب; ولما وفد عليه البريد ليلا جلس إلى عامله يسأله أخبار الرعية في ذلك القطر النائى، حتى إذا انتهى من تصريف أمورها وبدأ العامل، وكان من ذوى قرباه يسأل عمر عن حاله وحال عياله، قام إلى الشمعة فأطفأها، وأمر غلامه بالسراج فأوقده لأن الشمعة من بيت المال فوجب أن ينتهى عملها بانتهاء أعمال الدولة; وقدّم هذا الوالى الذي يمت لعمر بصلة القربى تفاحات استقدمها من الشام، فأبى أن يقبلها، فقال له عامله: لقد كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقبل الهدية، فقال عمر: هي لرسول الله هدية ولنا رشوة فلا حاجة لى بها; ولقد تشدد عمر في أن يبعد عن نفسه وذويه كل شبهة من شبهات استغلال النفوذ مهما ضولت، فعند ما ولى الخلافة نزل عن جميع ما ورث ووضعه في بيت مال المسلمين، وقدر ذلك بخسمة وعشرين ألف دينار، وذلك خشية أن يكون من ورّثوه هذا المال من الخلفاء لم يتحروا فيه الكسب الحلال المحض، ولم يبق عمر لنفسه سوى أرض بالسويداء كان قد كسبها بجهده قبل أن يتولى أمر المسلمين ثم عمد إلى حلى زوجته التي زفت إليه بها، فوضعها في بيت المال وقال لها: (أنا ما علمت حال هذا الجوهر وما صنع فيه أبوك ومن أين أصابه، فهل لك أن أجعله في أقصى بيت المال، وأنفق على المسلمين ما دونه، فإن خلصت إليه انفقته، وان مت قبل ذلك فلعلهم يردونه إليك) فأقرته على ذلك، فلما مات ولى الخلافة بعده أخوها يزيد بن عبدالملك فهم برده إليها فأبت احتراماً لارادة زوجها وابعاداً للشبهة عن نفسها.
وقصة عمر مع عمته معروفة، فقد وفدت إليه تشكو من أنه قطع عنها رواتبها الضخمة التي رتبها لها من بيت المال الخلفاء السابقون، فلما أتت داره إذا بين يديه أقراص من خبز وشىء من ملح وزيت يتعشى بها، فقالت يأميرالمؤمنين: