/ صفحة 180/
فإذا وضعنا قصة جرير بازاء شهادة الفرزدق للكميت، تبين لنا خطأ النقاد الذين عدوّا كلمة الفرزدق شهادة للكميت، وعرفنا أنها شهادة عليه; ذلك بأن الفرزدق شيعى، فهو من ناحية يريد أن يرضى نزعته هذه; وهو من ناحية أخرى شاعر ذوّاقة; فلكى يصيب عصفورين بحجر واحد شهد هذه الشهادة التي يشغل ظاهرها جماهير المسلمين - وكل مسلم شيعى - ويضمر باطنها رأيه الشعرى الصحيح وهو أن اجادة الكميت ليس مصدرها سمو خياله، وقوة ابداعه، بل مصدرها مجادة آل البيت، وسمّو مفاخرهم; وهي - لعمرى - احدى أفاعى الفرزدق العظيم!فأما الاعمى الخبيث بشار، فانه لما سئل عن الكميت ألقى بها صريحة عريانة فقال: ما كان الكميت شاعراً! فلما روجع في ذلك وقيل له: كيف تقول هذا، وهو الذي يقول:
أنضف امرىء من نصف حىّ يسبنى *** لعمرى لقد لاقيت خطباً من الخطب
هنيئاً لكلب أنّ كلباً تسبنى *** وأنى لم أردد جواباً على كلب
لقد بلغت كلب بسبى حظوة *** كفتها قديمات الفضائح والوصب
قال بشار: لا أبا لشانئك(1)، أترى رجلا لو ضرط ثلاثين سنة، لم يستملح منه شيء!
ويعده بعض النقاد أشعر الناس!(2) وتقول فاطمة بنت الحسين رضي الله عنهما: هذا شاعرنا أهل البيت.
وعلى الجملة فالكميت قد استأثر بحظ عظيم من اهتمام الناس، جمهورهم وشعرائهم ونقادهم وقادتهم، وقد عرض له أبو الفرج الاصبهانى فيما لايقل عن عشرة مواضع من كتابه العظيم ((الاغانى)) فجميع ما يتصل بحياته وشعره ومعروض هناك لمن تطلّب المزيد.

ــــــــــ
(1) لا أبا ولا أب لشانئك، قال ابن السكيت: هو كناية عن قولهم: لا أبالك ((لسان)) .
(2) فأما قول الفرزدق له: أذع ثم أذع، فأنت أشعر من مضى وأشعر من بقى; فانما أراد به عظمة ممدوحيه; حتى يلتقى بشهادته الانفة: وجد آجراً وحصافبنى.