/ صفحة 227/
كلمة التحرير
قال بعض العماء: إن أكثر الاخلاق التى يصلح عليها الاجتماع، وترتبط بها أسباب السعادة; يرجع إلى فضيلتين اثنتين، هما السماحة والعدالة.
فأما السماحة; وهذه كلمة حق; فإن الإنسان مخلوق لا يستغنى بنفسه، ولا يمكنه أن يتخلى عن ملابسة ما هو ميسر له، ولا أن يميت في نفسه نوازع الرغبة فيما زين له بمقتضى خلقه وتكوينه، من حب المال والبنين والشهوات والجاه والمناصب ونحو ذلك، ليتم ما أراده الله باستخلافه في الأرض، من عمارتها واثارتها واستنباط ما فيها، واستكشاف كنوزها، وتفجير مائها، واستنبات بذورها وأشجارها، حتى يبلغ الكتاب أجله، ولكل أجل كتاب.
لايستطيع الإنسان أن يتخلى عن ملابسة ذلك في صورة من الصور، أو طرف من الاطراف، ولو كان من أهل الزهادة، ومن غلب عليهم التصوف، غير أن الناس في ذلك صنفان:
صنف يسلك سبيله إلى هذه الوجوه من ضروريات الحياة أو كملياتها على نحو من البهيمية ولاغراق في المادية، والحرص على استيفاء كل عنصر من العناصر التى تتطلبها الشهوة والرغبة دون اكتراث بأى معنى من المعانى السامية، فتراه يسعى إلى تحقيق ما يريد بكل وسيلة، ويسلك إليه أي سبيل، ويحطم في سبيله كل ما يعترضه، ولا يعنيه الا أن يصل إلى مبتغاه، فإذا فاته شيء ولو يسير من آماله وما رسم لنفسه، غضب لذلك غضبا شديدا وظل يعالج، من الوجد والحزن والشعور بالشفاء ما هو كفيل بتنغيص حياته، وزلزلة صرح سعادته.