/ صفحة 378/
هذا الامام العظيم الذي يتبع مذهبه ملايين المسلمين في كثير من شعوب العالم الإسلامي؟ وما رأينا نحن في هذا؟
أسئلة لا صعوبة في الجواب عنها:
فالمنصور شهد اختلاف العلماء في عصره، وهو حاكم نظامى يهمه كما يهم سائر الحكام النظاميين أن يتوحد الناس في مملكته تحت قانون واحد، يؤخذ به قاصييهم ودانيهم، ويعمل به في كل ناحية من نواحي هذه المملكة المترامية الاطراف.
وهو من جهة أخرى لم يكن يحب هذا الضجيج الذي أثاره العلماء بجدالهم ونقاشهم، وذهاب كل فريق منهم مذهباً يخالف صاحبه، وتمسكه بهذا المذهب حتى يراه وحده هو الجدير بأن يتبع، ويرى غيره فاسداً أو باطلا.
وهو من جهة ثالثة، يريد أن يرضى أهل الحجاز ويصطنعهم، ويتقرب إلى هذا الامام العظيم امام دار الهجرة، وقد بهره ما في كتابه من العلم المستمد من الرواية عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وعن ثقات أصحابه، ليخالف بذلك عن سنة الامويين الذين كانوا لا ينظرون إلى أهل الحجاز نظرة المطمئن إلى ولائهم لسلطانهم ودولتهم.
هذه فيما أرجح وجهة المنصور فيما عرض على مالك، ولعلها تتفق في بعض نواحيها مع وجهة القائلين بادماج المذاهب الفقهية في مذهب واحد، وليست (جماعة التقريب) منهم، وان فهم بعض الناس خطأً عكس ذلك.
وإني أكرر في هذا المقام ما قلته من قبل، وما قاله غيرى من أعضاء جماعة التقريب في مناسبات مختلفة، من أنه ليس من أهدافنا أن ندمج المذاهب الفقهية بعضها في بعض، ومن أننا - على العكس من ذلك - نرى في هذه الفكرة خطأ يدعونا إلى رفضها وابعادها، بل نراها في حكم المستحيل مادمنا نلتزم كتاب ربنا، وسنة رسولنا، وأصول شريعتنا.
وهذا هو الامام مالك، ينهى المنصور عن تنفيذ فكرته، فيعدل عنها عدول