/ صفحة 425/
وإذا فأبو عبدالرحمن صوفي عربى الارومة، ووالده، وجده أبو عمرو بن نجيد كذلك، وهو دليل مادى يدفع رأى الذين يرون أن العقلية العربية لايمكن أن ينمو فيها التصوف، ولا أن تفكر فيه، وإنّما هو: ((ثورة العقل الارى على الدين السامى الفاتح.(1)
كان والد أبي عبدالرحمن شيخاً ورغاً زاهداً، دائم المجاهدة، له القدم في علوم المعاملات(2) وقد صحب ابن منازل، وأبا على الثقفى، وهما من شيوخ الملامتية في خراسان، ومن تلاميذ أبي عثمان الحيرى.
ولكنه لم يكن موسعاً عليه في رزقه، يذكر الجامى أنه ((لما ولد له أبو عبدالرحمن باع ما عنده وتصدق به(3)) ) وكان على ضيق ذات يده عالماً جليل القدر، يقول عنه الحاكم أبو عبدالله في ((تاريخ نيسابور)) : قلما رأيت في أصحاب المعاملات مثله(4)) ).
توفي والد أبي عبدالرحمن أبو محمد الحسين بن محمد بن موسى الازدى سنة نيف وأربعين وثلثمائة(5)، وقد اشتهر أبو عبدالرحمن بنسبته إلى قبيلة والدته أكثر من اشتهاره بنسبته إلى قبيلة والده، ومرد ذلك في الاغلب الاقرب أن السلميين - وهم قبيلة والدته - كان لهم شأن في نيسابور: فتحاً وحكماً وثروة وجاهاً وعدداً، وقد مر أن واحداً منهم ولى أمر نيسابور، من سنة احدى وأربعين إلى سنة خمس وأربعين في عهد معاوية بن أبي سفيان.
وثمة شيء آخر، وهو أن والد أبي عبدالرحمن لم يكن في سعة من العيش، على فضله وكرم خلقه وعلمه، بل كان مقدراً عليه رزقه، وكان أهل والدته

ــــــــــ
(1) الصوفية في الإسلام: ص 17.
(2) نفحات الاندلس، مخطوط فارسى، مكتبة جامعة القاهرة: ورقة 77.
(3) المصدر السابق، ورقة 77.
(4) تاريخ الإسلام، مخطوط دار الكتب المصرية ج، 21 ص 219.
(5) سير أعلام النبلاء: ج 11 ق / ورقة 55.