/ صفحة 56/
فأما دعاؤه للأمة ذلك الدعاء المطعم بالانحلال والاستسلام والمقام على الخسف فكان خيرا منه أن يدعو عليها بالموت الوَحِىّ، والفناء المريح، وإن كان بيته الأخير يحتمل ذلك!.
انظر بعد ذلك إلى ما يقوله في ((الحرية الحمراء:
سالت من الغاب الشُّبول غلى بها *** لبَنُ اللّباةِ وهاج عرْقُ الضيغم
يومَ النضال، كستك لون جمالها *** حُرّيةٌ صبغت أَديمك بالدم
أصبحت من غرر الزمان وأصبحت *** ضحكت أسرة وجهك المتجهم
لينم أبو الأشبال ملء جفونه *** ليس الشبول عن العرين بنوم
وقوله في دمشق:
وللأوطان في دم كل حر *** يد سلفت ودين مستحق
ومن يسقى ويشرب بالمنايا *** إذا الأحرار لم يُسقَوْا ويَسُقوا
ولا يبنى الممالك كالضحايا *** ولا يدنى الحقوق ولا يُحِقّ
ففى القتلى لأجيال حياة *** وفي الأسرى فدى لهمو وعتق
وللحرية الحمراء باب *** بكل يد مضرجة يدق
هذا شعر يحيى الموتى، ويبعث الروح في الجماد; وليس الفضل فيه لأمير الشعراء; بل للثورة التي وضعته على لسانه فغناه، والله أعلم حيث يجعل رسالته!.
هذا مثل صغير مجمل، سقته لأدل على فرق ما بين سابق الثورة ولا حقها في الفنون الأدبية، ولا شك أن الأمر كذلك في غير الأدب من شؤون الحياة.
والأدباء بازاء الثورة صنفان; صنف تضطرب بالثورة جوانحه، ولكنه يكبتها تقيّه وحذرا، فما يكاد يخفق للثورة لواء، حتى يواكبه، وينضوى تحت ظلاله، ومن هذا الضرب السيد الحميرى وسديف بن ميمون والشعوبيون أمثال