/ صفحه 297/
و لا شك أن هؤلاء المفسرين يريدون بذكر هذه الاسباب تقييد ما أطلقه القرآن من البر بالمخالفين في الإسلام، ففى السبب الأول والثالث يراد تقييده بالنساء والصبيان ونحوهم، وفي السبب الثاني يراد تقييده بمن له عهده وذمة من الذميين والمعاهدين، وفي السبب الرابع يراد تقييده بالاسرى الذين لهم أقرباء من المسلمين.
وإنما حملهم على تقييد بر المخالفين بذلك ماورد من الأمر يقتالهم، فيجب عندهم أن يقيد من لم ينهنا الله عن برهِ ومودته بالاصناف السابقة، حتى لا يكون هناك تعارض بين الأمر والنهي، ومن المفسرين من يرى ذلك منسوخا بآيات القتال، لان عدم النهي عن برهم ومودتهم يخالف الأمر بقتالهم، ولعله لا يرى بر من سبق من المخالفين في الإسلام، من الذميين والمعاهدين والنساء والصيبان والاسرى الذين استكرهوا على القتال ومن إليهم، بل يرى ا لخشونة في معاملتهم، ويستحسن مواجهتهم بالاساءة في القول والفعل، وسيأتى أن هذا على مجافاته لسماحة الإسلام قد أخذ به بعض المتشددين في الدين، فأساءوا بهذا إلى الإسلام من حيث يريدون الاحسان إليه بتشددهم، لان كل شيء يجاوز حده ينقلب إلى ضده.
و إني أرى أن المفسرين الذين قيدوا بر المخالفين في الإسلام بمن سبق من الاصناف بنو مذهبهم في ذلك على أن المخالفين ينقسمون إلى قسمين: ذميين ومحاربين، فالذميون لا شيء في البر إليهم جميعاً، ولا فرق في ذلك بين نسائهم وصبيانهم ورجالهم، والحربيون لاشيء في البر إلى صبيانهم ونسائهم، ومن أكره على القتال منهم، فلا يعاملون معاملة من قاتل وحارب بالفعل.
وقد غفل هؤلاء المفسرون عن قسم ثالث من المخالفين ليس بيننا وبينه حرب ولا عهد، من الذين لم تبلغهم دعوة الإسلام، أو بلغتهم دعوته ولكنهم لم يجيبوا ولم يحاربوا، فهذا القسم تشمله الآية أيضا، وليس علينا إلا أن نبلغه دعوة الإسلام، فإن أجاب فله جزاؤه عندالله، وإن لم يجب فحسابه على ذلك في ا لاخرة