/ صحفة 183 /
لكل شيخ طريقة وأتباع، وكان الشيخ إذا حل بين الأقوام البدائية وجد فيها المرتع الخصب لآرائه ومعتقدانه، وكثيرا ما كان يموت بعض الشيوخ بين تلك الأقوام، ويبقى لهم مريدون من أبنائها فتبقى طريقته تحت تأثير نزعات القوم الذي حل فيه، والقبيل الذي غرس فيه بذور معتقداته.
وهكذا نجد الشيخ عدي بن مسافر الأموي، الذي وصفه ابن خلكان بـ (العبد الصالح المشهور) يخرج كرجل زاهد منقطع إلى الأماكن المنعزلة في أواخر القرن الخامس للهجرة، ثم ينزوى بين أقوام بسطاء يعتقدون بصلاحه وينقادون إلى آرائه وارشاداته ويغالون فيه غلواً يتجاوز الحد، ويؤدى إلى قولهم فيه ـ بعد وفاته طبعا ـ بما لا يوافق عقلا ولا شرعاً.
فقد سعى هذا (العبد الصالح المشهور) إلى بناء زاويته في جبل لالش(1) المنقطع، ثم انصرف إلى تهذيب هذا القوم الذي حل في وسطه، وألقى عليهم الموعظة، وبشر فيهم بالحسنة، فكان لعمله هذا أثره في نفوسهم، ولكنه ما كاد ينتقل إلى الرفيق الأعلى في عام 557 هـ (1160 م) ويدفن في زاويته، وما كاد يرأس هذا القوم حفيد من حفدته، وهو الشيخ حسن شمس الدين، حتى دب الزيغ والفساد فيهم، وظهرت براعم المعتقد القديم، وعاد أصحابه إلى معتقدات توارثوها عن أجدادهم وأسلافهم.
وليس في المصادر التأريخية التي بين أيدينا ذكر لهذه الطائفة قبل القرن السادس للهجرة، غير أنه لما اشتهر الشيخ عدي بن مسافر بالزهد والورع، وكثرة المجاهدة، وتسامع به الناس فقصدوه من الأطراف للاسترشاد، وتبعه خلق كثير، اتخذ منهم المريدين وأظهر الطريقة العدوية، وصار أتباعه يعرفون بالعدوية.

ــــــــــ
(1) قال ياقوت الحموي [ معجم البلدان 7 ـ 437 ] ليلش قرية في اللحف من أعمال شرقي الموصل منها الشيخ عدي بن مسافر شيخ الأكراد وامامهم) ا هـ.