/ صحفة 228 /
ذلك الظن بأهل العلم وطلابه المخلصين، أما طلاب العيش، أو عشاق العلو في الأرض بغير الحق، فهؤلاء هم الذين يلتمسون الحماية، ويحيطون أنفسهم وأفكارهم وثقافتهم بالحواجز والحصون، لأنهم يعرفون ما بهم من ضعف فيكرهون القوة، ويعرفون أن في الظلمات ستراً لهم، وحماية لعيوبهم، فيهربون من الوضوح والنور المبين.
وقديما كان أهل الباطن يحصنون أنفسهم وأهليهم من دعوة الحق بمثل هذا الأسلوب، فكان قوم نوح يجعلون أصابعهم في آذانهم، ويستغشون ثيابهم، وكان مشركو مكة يوصى بعضهم بعضا ألا يسمعوا لهذا القرآن، وما من رسول الا قاومه قومه بمثل ذلك، وما من مصلح وهاد إلا قوبلت دعوته بالخوف منها، والصد عنها، ولكن الأمر ينتهي دائما بنفاذ كلمة الحق إلى الآذان والقلوب مخترقة الحجب والسدود، ذلك بأن كلمة الحق هي كلمة الله (وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم).
لست أقصد بهذا القول طائفة من المسلمين دون طائفة، وإنما أوجهه إليهم جميعاً، داعياً كل فريق أن يفتح أبوابه لما عند غيره، وأن يكون الهدف الذي نرمي إليه جميعاً هو معرفة الحق، والتعاون على إسعاد أمتناـ بل إسعاد العالم أجمع ـ بديننا، يومئذ تتعارف العقول إلى العقول، وتتآلف القلوب مع القلوب، وتجتمع القوى والمواهب والآمال بعضها مع بعض، فيمضى المسلمون في ركب الحضارة العالمية متكتلين في صف واحد كأنهم بنيان مرصوص.
ـ2ـ
الاجتهاد في الفقه الإسلامي ليس أمرا هينا، وليس منصبا يرقى إليه بادعاء أو دعاوة، والشروط التي اشترطها علماء المسلمين في شأنه ليست شروطا تعسفية وإنما هي شروط طبيعية يقضى بها العقل والإنصاف، فإن المجتهد أو المفتى موقع عن الله رب العالمين، فإذا قال هذا حلال وهذا حرام، وهذا جائز وهذا ممنوع، فذلك حكم منه بأن الله أحل أو حرم، أو أجاز أو منع، ومن ذا الذي يستطيع أن يتوسد هذا المنصب الخطير الا إذا كان كفأ له، محصلا لأدواته؟