/ صحفة 297 /
إلى انتهاء الحكم الذي يقوم على أساس الشورى، وقام بعده ذلك الملك العضوض، فأدى إلى ما أدى إليه في أمر المسلمين.
ولا يلزم بعد هذا أن يكون الحق في جانب الجماعة وإمامها، ولا سيما إذا كان إمامها إماماً جائزاً، وإذا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أمر بلزوم الجماعة في الفتن، وإذا كان ابن عباس قد روي عنه ((من كره من أميره شيئاً فليصبر، فإن من خرج من السلطان شبراً مات ميتة جاهلية)) فإن أمره بلزوم هذه الجماعة وإمامها يراعي فيه ناحية السياسة لا الدين، لأن هذه الجماعة وإمامها الجائر إثمان من الناحية الدينية، فإثم الامام لجوره، وإثمها لسكوتها عنه، لانها يمكنها مجتمعة أن تتخلص منه، فتكون مقصرة في سكوتها عنه، ولكن إذا كان سكوتها عنه خوفاً من تفريق الكلمة، فإن هذا قد تعذر به أو يخفف به شيء من إتمها.
على ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد يريد من هذا منع الافراد من الخروج بالسيف على السلطان القائم عنى كراهة شيء منه، ولا يريد منعهم من السعي في تغيير ما يرونه منكراً بوسائل سلمية من وسائل تغيير المنكر، كوعظ السلطان القائم ونقد ما يكوهونه من أمره، ويجب أن يتلطقوا في ذلك ويسلكوا الوسائل التي تدل على حسن القصد، وإرادة الخير للأمة، بل للسلطان القائم، فلا يكون فيه شيء من وسائل التشهير، ولا شيء من سوء القصد، حتى لا يكون لأحد سبيل للانتقال منهم، لانهم حينئذ يكونون قائمين بواجب ديني لا يكون لاحد سبيل عليه فيه.
وهذا هو المتبع الآن في الحكومات المدنية الحديثة، فإنها تتيح لرعاياها حرية النقد لسياستها، فتقوم بنقدها في الصحافة وغيرها من الوسائل الحديثة، وتعرف لحكوماتها ما تبيحه لها من حرية النقد، فلا تجاوز فيه حد الاعتدال، ولا تقصد به شيئاً من التشهير، ولا تتخذه وسيلة لاثارة الفتن، وبهذا استقام الحكم فيها، ووصل إلى حد الثبات والاستقرار، فارتاح الحاكم والمحكوم من الفتن والاضطرابات، وسار في طريق الامن إلى أحسن الغايات.