/ صحفة 428 /
في دولة الفرس أن يكون ميله مع دولة الروم، فلما انتصروا عليهم في عهد كسرى برويز ذلك الانتصار السابق، وكان هذا في أوائل ظهور الإسلام، حزن المسلمون لذلك وفرح كفار قريش، فنزلت الآيات الأولى من سورة الروم تسلية للمسلمين ((أ لم)) غُلبتِ الرومُ في أدنى الأرض هم من بعد غلبهم سيغلبون، في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم)).
فلما نزلت هذه الآيات قال أبو بكر لكفار قريش: لا أقر الله أعينكم، والله ليظهرون الروم على فارس بعد بضع سنين. فكذبه أُبيُّ بن خلق وقال: أجعل ييننا أجلا أنا حبك عليه (1) فخاطره أبو بكر على عشر قلائص من كل واحد منهما، وجعل الأجل ثلاث سنين، ثم أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال له: البضع ما بين الثلاث إلى التسع، فزايده في الحظر، وماده في الأجل، فجعلاها مائة قلوص إلى تسع سنين، وكان أن انتصر الروم على الفرس في هذا الأجل، وجاء الخبر لاي النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم الحديبية ـ سنة (7 هـ ـ 628م) ففرح ومن معه بهذا النصر.
كل هذا والفرس أمة شرقية مثل أمة العرب، وكان السملمون في ذلك الوقت عربا خلصا، أما الروم فأمة غربية غير شرقية، ولكن الإسلام دين إنساني لا ينظر إلى هذه الحدود، ولا يتأثر بها إلى أن تحيد به عن سنة العدل، كما يتأثر بها رجال السياسة في عصرنا، فيقول قائلهم هذه الكلمة المشهورة ـ الغرب غرب والشرق شرق ولا يلتقيان ـ وتجري سياستهم مع الشرق على هذا الأساس، فللغرب عندهم الحرية والعدل، وللشرق عندهم الاستعباد والظلم، ولا يرون هذا ظلما تحاسبهم ضمائرهم عليه، وإنما هو هندهم العدل كل العدل، حتى أبادوا في هذا إمما من غير أجناسهم، لتخلص لهم بلادهم وخيراتهم، وهم بسبيل إبادة غيرها من الأمم فياويل الأمم الضعيفة منهم. وياقسوة ما يصيبهما إذا جاء موعد إبادتهم لها،

ــــــــــ
(1) أنا حبك بمعنى أراهنك.