/ صحفة 58 /
3 ـ وللغرب بجانب هذا وذاك ـ بجانب الحضارة الصناعية والبحوث الطبيعية البحتة ـ بحوث عقلية توجيهية هي ما تعرف باسم (الثقافة).
والغرب في هذه البحوث العقلية التوجيهية قد سلك فيها مسلكان:
(ا) مسلك المثاليين، أو المعنويين،
(ب) ومسلك الماديين، أو الوضعيين، أو الواقعيين، أو الاجتماعيين، أو المجددين.
ولكنه لم يسر ـ منذ عصر النهضة ـ في هذين المسلكين سيراً متوازيا، بل في الوقت الذي تطورت فيه حضارته الصناعية منذ النهضة الأوربية، وتطورت بحوثه الطبيعية البحتة والكيمائية على اثر ابتعاد العقلية الأوربية في بحثها عن مجال ما بعد الطبيعة، وتركيز نظرتها إلى الطبيعة، تنفيذاً للخطة التي اشتركت فيها الكنيسة الغربية ـ في هذا الوقت ابتدأ الاتجاه المادي يسود في بحث العلوم العقلية والروحية، وابتدأت تغفل في بحثها وسيلتها الخاصة وهي الوسيلة النظرية أو العقلية الصرفة، وأصبح يطلب فيها ضمانا لمعنى (اليقين) استخدام المنطق الوضعي، وهو منطق الملاحظة والتجربة.
وبرزت سيادة الاتجاه المادي في بحثها على عهد أوجست كومت (1798 ـ 1857) الفيلسوف الفرنسي في النصف الاول من القرن التاسع عشر، واشتد أمره على عهد كارل ماركس (1818 ـ 1883) في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، صاحب المذهب الاجتماعي أو الشيوعي أو صاحب المذهب المادي التاريخي.
وبالتالي تخلف مسلك المثاليين، وضعفت قيمته في دائرة البحث العلمي. ونتيجة لذلك قل اعتبار البحث النظري الميتافيزيقي، ورمى (بالخرافة) واستبعد الدين ووصف بأنه (مخدر)، وأخرجت القيم الاخلاقية المثالية من مجال تقدير