/ صفحه 354/
ما اشتهر على الألسن: (مراعاة الأبدان خير من مراعاة الأديان) أي أن جواز الإفطار للمتضرر من الصيام هو من الدين في الصميم، فلفظة من للبيان، ولفظة خير لم يقصد بها التفضيل، وإنما أريد بها ضد الشر. وكذا لو كان للإنسان مال يكفيه للحج، وعليه ديون للناس فان الواجب، والحالة هذه، هو وفاء الدين فحسب اما الحج فلا يجب لعدم الاستطاعة، فلا يقال: وجد حقان لله وللعبد، ثم قدم حق العبد، وبكلمة: إن الحقين لا يتزاحمان إلا إذا بلغ كل منهما مرتبة التنفيذ، وإليك المثال: لو رأى المصلى ماله مشرفاً على التلف، وتوقف حفظه على قطع الصلاة الواجبة بحيث إذا مضى في صلاته ذهب المال، وإذا قطعها استطاع أن يحفظه، فهذا المورد ونظائره يجتمع فيه الحقان، ويجري الترجيح والتقديم.
ومن تتبع كلمات الفقهاء يرى أنهم في بعض الموارد يقدمون حق العبد، وفي بعضها قدمون حق الله، وفي مكان ثالث يساوون بينهما، ولا يرجحون أحدهما على الآخر، فمن موارد تقديم حق العبد المثال المتقدم، وهو قطع الصلاة لحفظ المتاع، فقد روى عن أهل البيت (عليهم السلام) أن المصلى (يقطع صلاته، ويحرز متاعه، ثم يستقبل الصلاة) ومنه إذا توفي رجل، ولم يترك سوى مائة دينار، وعليه ديون للناس تستغرق المبلغ بكامله، وقد أوصى أن يستناب عنه لأداء ما فاته من الصلوات الواجبة بأجرة من تركته، فهنا يقدم وفاء الدين على الوصية (1).
ومن أمثلة تقديم حق الله على حق العبد: لو كان عليه دين سابق، ثم ملك عيناً فيها الخمس، وإذا دفع خمسها بقي عليه قسم من الدين، وهنا يقدم الخمس، لأن فيه جهة عامة.
ومن أمثلة التساوي بين الحقين: لو استطاع الحج، ثم أهمل حتى توفى قبل أن يحج، وعليه ديون للناس، وترك مبلغا من المال لا يفى بالدين والحج بحيث

ــــــــــ
(1) قال العلامة الحلي في كتاب التذكرة باب الوصية: أن السنة منعوا من الوصية بالصلاة عن الميت ومن التبرع بها عنه، وقد أجاز الامامية ذلك مستدلين بأحاديث عن أهل البيت بلغت حد التواتر.