/ صفحه 396/
في التاريخ والأدب
لصاحب الفضيلة الشيخ محمد الطنطاوي الأستاذ في كلية اللغة العربية
ـ 5 ـ
يزيد بن المهلب:
كانت ولاية يزيد بن المهلب العراق حدثا كبيراً، إذ أنه أول يمان اضطلع بهذه الولاية ذات الشأن حينذاك، وما عهد الشعب الإسلامي بها منذ عقد لواءها معاوية لزياد إلا أن يحمل لواءها مضري مهوب من: عبيد الله بن زياد ثم الحجاج ثم قتيبة بن مسلم، فساورت النفوس أن استوى يزيد على العراق هواجس ترددت في جنباتها، أن يلي شؤونهم من ليس مضرياً؟ لكنهم كظموا غيظهم وكتموا ما في نفوسهم ذعراً من سلطان القوة وسوط الحكم، وتربصوا بيزيد الدوائر حتى يبدوا ما في دخائلهم وينفثوا ما في صدورهم، فلا مرية أن ولاية يزيد هي التي لفتت المضريين إلى الاستصراخ بالخلفاء في إقصاء اليمنيين وإدناء المضريين: قيسيين وخندفيين، حتى ملأت الخندفية الأفواه، وتحركت بها ألسن العامة والخاصة، وما كان لها كثير ذكر من قبل، فسترى بعد قتل يزيد ودولان دولته كثيرة المناداة بهذه العصبية التي صارحوا بها بعد كبتهم أمداً بعيداً.
على أنه من الإنصاف أن يزيد لم يسند إليه الخليفة سليمان بن عبد الملك هذه الولاية عفواً، بل منحه إياها بعد بلاء حسن في الدولة المروانية قدمه المهلب وبنوه فشارك يزيد في مظاهرتها مشاركة تستوجب المجازاة بهذه الولاية الجدير بها مثله.
وإنه ليجمل أن نذكر كلمة مجملة عن المهلب وبنيه تتعرف منها كفاية المهالبة وأنهم خليقون أن تضاف إليهم المهام من الشئون، وأن يزيد جدير بالعراق.