/ صفحه 134/
ألا تؤدي إلى باطل، لأن العبرة بآثارها ومقصدها وصدقها. ولذا نهى القرآن الكريم عن سب الأوثان، وسب الأشخاص الذين يقدسهم الكافرون، وقال سبحانه في ذلك: ((ولاتسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم)) مع أن وصف الأوثان أو وصف الأشخاص المقدسين بالباطل بحقيقتهم، يعد صدقا وحقا، ولكنه يؤدي إلى باطل أشنع عندالله من تقديسهم لهم.
6 وإنه يجب أن يعلم المؤمن أن أشد ما يرديه ويردي المجمتع، ويعقب البوائق لنفسه وللناس هو لسانه إن انحرف عن القصد، وسلك غير الصراط المستقيم، فهو إما لسان صدق لا ينتج إلا خيرا، وإما أن تسوء به العقبى، ولقد روى الترمذي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لمعاذ بن جبل: ((ألا أخبرك بملاك الأمر كله قال بلى يا رسول الله، فأخذ بلسانه وقال كف عليك هذا. قال: يا نبي الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به، فقال: ثكلتك أمك وهل يكب الناس على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم)) وحصائد الألسنة ما تحصده من جنايات.
ولا نقصد بأذى الألسنة ما يعود على صاحبها من أذى إن كان ينطق لدفع الظلم ورفع الجور، فإن ذلك جهاد محمود مشكور، ولقد قال (صلى الله عليه وآله وسلم): ((أعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر)) ولقد كان السلف الصالح ينطقون بالحق لا يخشون في الله لومة لائم - لا نقصد هذا ولكن نقصد الكلام الضار بالناس من غير أن يرفع حقا أو يخفض باطلا، أو يؤدي حسبة دينية، أو يدعو إلى معروف، أو ينهى عن منكر.
7 هذا بعض الوسط في الخط المستقيم، وهو وزن الأقوال، وجعلها للحق، وما أحوجنا إلى هذا في ذلك الزمان الذي كثر فيه القول الفاسد المفسد، وراج فيه الكذب، وأصبح هذا النوع من القول صناعة رائجة تدر ربحا وفيرا من المال، وتفسد باضعاف ما تدر، ولقد قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): ((يأتي على الناس زمان يتخللون الكلام بألسنتهم كما تتخلل البقر الكلأ بألسنتها)) ونحن في هذا الزمان ولا حول ولا قوة إلا بالله.