/ صفحه 153/
قلت: لقد تناولنا تأبط شرا في أحاديث كثيرة سلفت، وما أحسبنا أبقينا منه بقية تصلح مادة حديث.
قال: بل لعل ما فات قليل بالقياس إلى ما هو آت، ولكنك ملول طرف ما إن يقر قرارك إلا ريثما تتنقل.
قلت: مثل ((لا فتونتين)) الشاعر الفرنسي صاحب الأساطير المشهورة، الذي قضى حياته كالفراشة متنقلا من زهرة إلى زهرة.
قال: أما نحن فمن منازه إلى مو ماة يحار بها القطا وكل ميسر لما خلق له.
قلت: والخلائق مختلفات إلى حد التناقض والتضاد حتى في الأماني والأحلام. فها نحن أولاء في الغمام ساريا أو غاديا يستنزله تأبط شرا على جدث خاله العزيز:
فالماء عنده رمز الرحمة والسعة في حين أنه النار عند قوم آخرين فموتى الفرنجة محروقون في دعواتهم لهم.
قال: كلما أنجدت بك في قلل الشرق غرت بي أو غربت في كهوف الفرنجة حيث الظلام والزمهرير وابتغاء جهنم للأموات منهم والأحياء على حد سواء: أنا في القرن الخامس أو السادس مع صعاليك البادية وشطارها وأنت في القرن السابع عشر في معية لويس الرابع عشر.
قلت: أو قولوا في قصر ((الملك الشمس)) كما كان يسمى سيد ملوك أوربا حين ذاك إن صح في لغتنا العربية أن تكون الشمس نعتا. أجل سيد ملوك أوربا غير منازع لويس الرابع عشر الذي ساد بضعا وستين سنة وجمع المجد من أطرافه فدانت له الدنيا…
قال: ثم أخذه عذاب الحريق في الدنيا قبل الآخرة فما أبقت الثورة الفرنسية على شمس ولا قمر.
قلت: بل مات على سرير الملك وكان بينه وبين الثورة ملكان، كان حظ ثانيهما عذاب الحريق كما تقولون أو المقصلة.. إنه المسكين لويس السادس عشر.
قال: صه، وإياك ليأخذ عذاب الحريق، فما كنت لأجلس منك مجلس التلميذ من شيخه وما كنت لتقص علي قصص ملوك فرنسا وأحداث ثورتها بهم.