/ صفحه 172/
وحيوانيته، إلى رشد الإنسان واكتماله: فروضه من صلاة، وصوم، وزكاة، تشق على الإنسان الطفل الحيوان، ولكنها تسهل على الإنسان الرشيد المكتمل، ما ينادى به من محبة الإنسان لأخيه، كمحبته لنفسه، يشق اتباعه إلا على المؤمنين بمثل الحياة، وبالموجود الأعلى وهو الله.
ولذلك كان التوجيه الذي يقوم على الأنانية والطفولية الحيوانية أسبق إلى نفس المراهق وأشد جذبا لها، من ذلك الذي يدعو إلى المثل والقيم الرفيعة.
الحياة فيها ما يجب أن يصان عن التبذل والاستخفاف، كالله والوطن، لمصلحة الإنسان كفرد، والجماعة كأمة، وفيها ما يصح أن يناقش، ومع ذلك يجب أن يكون النقاش لهدف أرفع ومصلحة عليا.
لا تكون هناك محبة للوطن، إذا تعرضت قيمته في نفوس المواطنين إلى الاهتزاز، ولا تكون هناك مثل رفيعة: إخاء، وتعاون، وتضحية، ونحوها، إذا تعرض جلال الله للنقاش، فضلا عن أن يجعل موضوع تفكه.
الوطن نفسه مثال من المثل الرفيعة، فإذا اهتزت القيم الرفيعة، وغلب الانطلاق الحيواني في التوجيه، فالوطن نفسه خاسر، ومعناه لايكون له ظل في نفوس مواطنيه، حاجتنا إلى الاحتفاظ بقيم المثل الرفيعة، وفي مقدمتها الله، كحاجتنا إلى الاحتفاظ بحدود الوطن، وبالوطن نفسه، التعبئة الروحية منهاج متشعب الجوانب، وليست خطبة يلقيها وزير أو كبير على منبر، وليست كلمة أو بيانا يصدرهما شيخ كبير أو صغير من شيوخ المسلمين في صحيفة، أو يلقيهما في إذاعة، إنها خطة وعمل منظم لتحقيق تلك الخطة.
إن عيب الشرق في عدم التوازن بين الحماس والعاطفة من جانب، والتروي والعمل المستمر من جانب آخر.