/ صفحه 196/
الذي جاء به المسيح وغيره من الرسل، وبهذا تكون الآية صريحة في أن الأمر بقتالهم إنما كان لاعتدائهم على المسلمين، ولا يكون فيها ما يوهم أن الأمر بقتالهم لفاسد عقائدهم، كما فهم هذا جمهور المفسرين.
ولا يفوتني بعد هذا أن أنبه إلى خطأ جمهورهم في تفسير آخر الآية أيضا، وهو قوله تعالى: ((حتى يعطوا الجزية عن يدوهم صاغرون)). فقد قال النسفي في تفسيره تبعا لهم: أي تؤخذ منهم على الصغار والذل، وهو أن يأتي بها بنفسه ماشيا غير راكب، ويسلمها وهو قائم والمتسلم جالس، وأن يتلتل تلتله ويؤخذ بتلبيبه، ويقال له: إذ الجزية يا ذمي، وإن كان يؤديها، ويزخ في قفاه أي يدفع فيه.
فالإسلام أكرم من أن يرضى بمثل هذه المعاملة للذميين، وقد قال تعالى في الآية - 8- من سورة الممتحنة: ((لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين)). وإنما يريد الله بالصغار في الآية السابقة صغار ما حصل لهم من الانهزام، فهو فيما يكون عقب انهزامهم من رضاهم في صغار المنهزم بدفع الجزية، وعقدهم الصلح في نظير دفعها، ولا شك أنهم في هذا الوقت لم يتخلصوا من كونهم أهل حرب، لأنهم لا يتخلصون منه إلا بعد تمام عقد الجزية، وحينئذ ينقلبون أهل ذمة لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم، ولا يلحقهم صغار أصلا، وإنما يكون البر بهم والإقساط إليهم.
جمال الدين ورينان
وصل إلى ((دار التقريب)) بحث ضاف عن مساجلات جرت بين المستشرق الفرنسي ((رينان)) والسيد ((جمال الدين)) المعروف بالأفغاني.
وضع هذا البحث فضيلة الشيخ الحاج عباسقلي واعظ ((جرندابي)) بتبريز.
وقد دقق في تمحيص ما نسب إلى السيد جمال الدين، من كلام لا يتفق ومقام مصلح غيرتهُ على الإسلام معروفة، وحرصه على الدفاع عنه مشهور.
ونحن نقدر للأستاذ عباسقلي شديد حرصه على الدفاع عن علم من أعلام الإسلام وشدة غيرته على الدين الإسلامي الحنيف.