/ صفحه 198/
عملت على نيل الخلود فنلته فقل في مقام الشكر يا رب أوزع
يجييء لنا آنا بأحمد ماثلا و آونة بالبحتريّ المرصع
فقل للذي يبغي مداه منافسا طمعت لعمر الله في غير مطمع
وفي الحق إن شوقي كان جديرا بهذا اللقب وبأن يبايع به من الشعراء، وبأن تقام حفول التكريم. فقد نهض بالشعر العربي نهضة مشكورة. وأسدى إليه أيادي خالدة. فقد ظهر والشعر مريض متخاذل. فنفخ فيه هو والبارودي من روحيهما القويين فبعثا فيه الحياة. وأيقظاه من سباته الذي طال عليه الأمد. فدبت العافية في أوصاله. وانتتهض قائما على سيقانه - ومن أي نواحي الشعر نظرت ترى آثار شوقي في الشعر العربي واضحة لا خفاء بها يستوى في ذلك ألفاظه ومعانيه وأغراضه وحكمه وأمثاله. فإذا قلنا إن شوقيا كان فلتة من فلتات الدهر التي لا يجود بمثلها إلا في القرون المتطاولة. وإذا قلنا إنه تأخر به زمانه ولو أنصفه لتقدم به إلى العصر العباسي الذي يعد نظيرا لفحوله. لو قلنا ذلك ونحوه لم تكن مبالغين ولا مسرفين - كيف لا وأنت تراه قد كسا الشعر ديباجة عربية عالية. وبعث به كلمات كانت في زوايا النسيان. فأحياها وبعثها من مرقدها. وزفها في أبهج حلاها فجاء تختال كالعروس ليلة زفافها. فعرفها من لم يكن يعرفها، وأولع بها الأدباء والشعراء.
وأخذوا في ترديدها في كتابتهم وشعرهم، وبهذه الوسيلة أحيا شوقي من الكلمات اللغوية المهجورة الشىء الكثير، واعتبر من مجددي الألفاظ - وكما كان مجددا للألفاظ كان للمعاني وزائدا فيها زيادات قيمة في اللغة. فقد أكسبته ثقافته الواسعة لا سيما في التاريخ والحقوق، ورحلاته الكثيرة إلى أوربا وغيرها. إلى استعداده القوي ومواهبه الفطرية. ودراسته لغات الغربيين. واقتباسه من معانيهم - أكسبه كل أولئك سعة في المدراك وثروة ثرية في المعاني. كان بها من أغنى الشعراء في المعاني بلا مراء.
وإذا اجتمع لشخص غزارة اللغة والتضلع منها وكان له من الثقافة وقوة الطبع وكثرة المحفوظ من الأدب العالي ما كان لشوقي. ثم تهيأ له من الظروف ما تهيا