/ صفحه 199/
لشوقي من إقبال حاكم البلاد عليه واحتضانه له. واتخاذه شاعره وأعزازه جانبه، فلا شك أنه بالغ من الشعر ما يهوى ويريد. ومرتفع به إلي أعلى عليين.
وليس يفوتنا هنا أن نسجل تجديده في الأغراض أيضا فقد كان الشعر العربي قبله خاليا تقريبا من الشعر القصصي وكان هذا مما يعاب على الشعر العربي ويعد نقصا فيه، فقام شوقي فسد هذه الثلمة ونفى عنه هذا العيب ورفع رأسه عاليا بما وضع من القصص التمثيلية الشعرية كقصة مجنون ليلى، وعنترة، وكيلوبترة، وغيرها. كما لا ننسى أنه قد امتاز ببراعة فائقة في ضرب الأمثال وتصيد الحكم في شعره. وهو في هذا المضمار أشبه الناس بفحول الشعراء العباسيين - وقلما يلحقه فيه أحد مما جاء بعد المتنبي- وقد أعانه على ذلك سعة ثقافته وتجاربه الطويلة في الحياة، واحتكاكه بالسياسة والسياسيين، وقربه من الملوك والحكام، واتصاله بالأحداث الكبار الجارية في حياته، وتطلعه إلى محاكاة حكماء الشعراء كالمتنبي وأبي تمام.
وشوقي فضلا عن هذا وذاك قد أولع بوصف الآثار المصرية القديمة، وصال في ميدانها وجال، وأتى في وصفها بالعجب العجاب، وقصائده في قصر أنس الوجود، وتوت عنخ آمون، وأبي الهول من أبدع آياته وأسمى مفاخره. وقد كان رحمه الله المحرك بشعره لهمم قومه، والباعث على إيقاظهم، وإشعال نيران الوطنية في قلوبهم، وداعيهم إلى الأخذ بأسباب القوة من العلم والمال وتقوية الجيش، والناعي عليهم تخاذلهم وتنافرهم وتقاعدهم عن النهوض بالبلاد.
هذا إلى أن شعره سجل لحوادث دهره، فما حدث حادث ذو شأن في عصره ولا أصيبت البلاد بخير أو شر ألا سجل ذلك في شعره، واتخذ منه سبيلا لتنبيه قومه. وتحذيرهم وإيقاظ هممهم، وحثهم على العمل والجد، حتى يكون منهم أمة عزيزة الجانب قوية البأس لا يطمع فيها ولا يعبث بحقوقها.
رحم الله شوقي وعوض فيه العربية خيرا ورزقها لسانا مثل لسانه. وبيانا مثل بيانه. وأنزله منازل الأبرار والصديقين. في جنات الخلد والنعيم المقيم.