/ صفحه 232/
الأحداث كما تحققت فيها، وبذلك ينتقل بحكم الضرورة العقلية، حكم ما نص على حكمه إلى ما لم ينص على حكمه، وليس هذا من قبيل القياس الذي يعرفه فقهاؤنا، وهو إلحاق ما لم ينص على حكمه بما نص على حكمه لمشاركته إياه في العلة، وإنما هو بطريق النص العام الذي يرجع إلى تحقيق المناط في تحريم ما حرم أو تحليله. وعلى هذا يكون الثابت عن هذا الطريق ثابتا بالنص، وبعموم الوصف العنواني الذي كان مناط التحريم، ولعل هذا هو موقع نظر الذين أنكروا القياس من علمائنا فهم لم يقولوا، إن الأحكام قاصرة على الأحداث والوقائع التي كانت موجودة وقت التنزيل، وإنما يقولون: إن الشريعة عامة دائمة، وإن نصوصها لم تكن خاصة شخصية، وإنما هي عامة نوعية، وإنها من قبيل الكلي يطبق على كل أفراده، ما وجد منها بالفعل وما سيوجد منها بعد، وهذا موضع يجب تدقيق النظر فيه حتى نبعد بأنفسنا في تطبيق الأحكام على الأحداث عن خلافات القوم ((في العلة ومسالكها وشروطه، ودرجة الحكم الثابت بها، ونقضها وكسرها، وما إلى ذلك من البحوث التي ولدها الجدل حول نظرية القياس في الأصول الفقهية)).
وإذا تناولت هذه النصوص العامة أحكام ما لم يكن موجودا في زمن التشريع من الأحداث والوقائع، ومنها عرف حكمها، فإن هذه النصوص تدل من جهة المشرع الحكيم، على أن الفعل في ذاته يحمل من صفات الصلاح أو الفساد ما يبرر- في نظر المشرع الحكيم، العليم بخواص الأشياء وأسرارها - حله أو حرمته. وإذن، فليس معنى المعروف الذي يأمر به الله، أو الطيبات التي يحلها الله، ما أمر الله به، أو أحله كما أنه ليس المنكر الذي ينهى الله عنه، أو الخبيث الذي يحرمه، هو ما نهى الله عنه أو ما حرمه. ليس هذا ولا ذاك، وإنما هو ما استقرت معرفته وألف خيره في الفطر، أو نكرانه أو شره فيها،و في هذا تقرير للحسن والقبح الأصليين، أي ما كان في ذات الفعل بقطع النظر عما تعلق به من أمر أو نهي، وحل أو حرمة. وبناء على ما يكون له من ذلك، يكون الأمر به وحله، والنهى عنه وتحريمه، ففي الأفعال باعتبار ذاتها حسن به تطلب، أو قبح به تحرم، وبناء على ما يعلمه الله فيها:من حسن أو قبيح، يحلها أو يحرمها بشرائعه وفي رسالاته، وليس حسنها وقبحها