/ صفحه 240/
من شخص، لا تسقط حرمة نفسه ولا تبيح قتله، وإذا قتل يكون قتلا بغير حق، والأسباب التي جاءت بها نصوص غير قطعية، وإن رأى العلماء أنها تبيح، هي كذلك لا تسقط حرمة النفس ولا تبيح قتلها، ومن هنا كانت إباحة النفس المتيقنة وهي لا تكون إلا كذلك، قاصرة على خصوص الحالات الثلاث التي وردت بها النصوص القطعية بعد أن تكون أسبابها متيقنة الوقوع على وجه لا شبهة فيه، وهذا هو ما تقضى به الأصول البينة الواضحة للشريعة الإسلامية.
ويهمنا أيضا في هذا المقام أن نلفت الأنظار إلى أن إباحة النفس لسبب من الأسباب القطعية، إنما هي اباحة خاصة بولي الأمر الشرعي الذي يناط به تنفيذ أحكام الله وشرائعه، وأنها ليست للأفراد، فلا حق لولي المقتول أن يقتل بنفسه القاتل، حفظا للنظام العام ووقوفا بالجزاء عند حده وهو القصاص، وقد كان هذا سر مجيء جزاء القتل بعنوان القصاص ((كتب عليكم القصاص في القتلى)). مخالفا في ذلك العبارة العربية المأثورة عن الجاهلية في هذا المقام: ((القتل أنفى للقتل)) نعم للأفراد الحق في تلك الإباحة بالنظر إلى حالة الاعتداء عليهم أو على أموالهم أو أعراضهم بالشرط المعروف وهو أن يكون في حالة تلبس بالجريمة، وألا يجد المعتدى عليه سبيلا للدفاع غير القتل، وقد روي بالنسبة لرجل يجد أجنبيا في حال تلبس كامل مع امرأته، عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه: أنه كان يوما يتغدى، إذ جاءه رجل يعدو وفي يده سيف ملطخ بالدم، ووراءه قوم يعدون خلفه، جاء حتى جلس مع عمر، ثم جاء الآخرون، فقالوا: يا أميرالمؤمنين إن هذا قتل صاحبنا، فقال له عمر: ما يقولون؟ فقال له يا أميرالمؤمنين: إني ضربت فخذي امرأتي فإن كان بينهما أحد فقد قتلته، فقال عمر: ما يقول؟ فقالوا: يا أميرالمؤمنين، إنه ضرب بالسيف، فوقع في وسط الرجل وفخذي المرأة، فأخذ عمر سيف الرجل وهزه، ثم دفعه إليه وقال له: إن عادوا فعد.
وإلى العدد المقبل إن شاء الله.