/ صفحه 242/
3 والجدل بالباطل، فإن هذه تتكون منها مادة تحول بين المرء وقلبه، وتحول بين النور ومكامن الإدراك، وتطمس على البصيرة، ويصبح الذين يتصفون بهذه الصفات كما قال الله تعالى في أمثالهم: ((صم بكم عمي فهم لايعقلون)) لايستمعون لداعي المعرفة والهداية، ولا ينطقون بالحق بل يمارون فيه، ولا تنفذ بصائرهم إلى النور فتهتدي بهديه: ((إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور)).
4 وإن الحق يُعلن للناس فتختلف الأفهام في تلقيه، فقوم يتلقونه محسين بمجاوبة له في أنفسهم فيذعنون له، وربما لا يحتاجون إلى دليل عليه، ويكفي عند التنبيه إليه، وقوم آخرون يجادلون ويمارون، ومنهم من لا يلبث أزاء البينات الدالة إلا أن يذعن للحق بعد إذ تبين له، وأولئك لم تركس عقولهم في الضلال إلى أقصى مداه، ولم يكن غلاف القلب مانعا من النور منعا مطلقا، وقد تكون بالنسبة لبعض هؤلاء مظاهر قوة الحق المادية مع قوته المعنوية لها جدواها ولها أثرها، وهناك فريق ثالث يتبع كل ناعق، لا يذوق قلبه طعم الحق ولا يدرك مغزاه، وأولئك هم المنافقون قد انماعت قلوبهم وإن سلمت أحيانا عقولهم، ولقد صور النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هولاء الأقوام الثلاثة، فقال (عليه السلام): ((مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا، فكان منها أرض طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله عز وجل بها الناس فشربوا منها وسقوا وزرعوا، وكان منها طائفة إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ)) وقد ذكر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن الأول مثل لمن انتفع بما أوتي من علم ونفع به الناس، والثاني لمن لا يحسن الانتفاع، ولكن يحسن النقل، والثالث لمن أغلق قلبه دون الهداية.
5 وإن هذا الحديث النبوي يصور لنا كيف يدخل العلم القلوب، فإما أن تنتفع به فينتج أطيب الثمرات، وأما ألا تنتفع به في ذات نفسها، ولكن يجريه الله على اللسان فينتفع غيره ممن يحتاج قلبه في إدراك الحق إلى مجرد التنبيه، وإن الحكمة قد تجري على لسان الفاجر فينتفع بها البار، وقد تجري على فم الفاسق، فيهتدي بها