/ صفحه 252/
وفارقتُ حتى ما أبالي من النوى وإن بان جيران علىّ كرام
فقد جعلت نفسي على النأى تنطوى و عيني على فقد الحبيب تنام(1)
ثم إن العرب كانت تضطر إلى الضرب في فجاح الصحراء، للنجعة والارتياد، أو لغيرهما من مطالب العيش الذي كانت تعيش، وكثيرا ما كانت تتعرض في أثناء ذلك للجوع والعطش، بل للهلاك بسببهما، ولم يكن على الطرق طبعا منازل عامة يمكن أن يلجأ الظاعن إليها فيجد فيها حاجته من الطعام والشراب، فاقتضى منهم ذلك أن ينشأ بينهم نوع من التعاون على الإغاثة والقرى، يشبه ما نراه اليوم بين الأمم المختلفة، كلما طارت الأنباء في الآفاق تدعو إلى نجدة سفينة ماخرة، أو طائرة محلقة، وإذ تتسارع إليها السفن والطائرات من كل مكان قريب، فتبذل غاية الجهد في البحث والاستطلاع، ثم في الإغاثة والنجدة، لا يصدها عن ذلك، أو يحملها على الفتور فيه أن يكون المنكوبون من أمم أخرى، أو أن العلائق بينها وبين الأمم التي يعتزون إليها واهنة أو مقطوعة.
ولئن يكن أصحاب الإنقاذ والنجدة لعهدنا الحاضر يقومون للمنكوبين بكل ما يكن أن يقوم به أهلوهم وأولو الأمر فيهم - لقد كان الأجواد من العرب يكرمون مثوى الأضياف، ويخلطونهم بأهلهم كأنهم منهم أو يزيدون. واسمع في ذلكما يقول شاعر(2) امتد به الزمن وبعد به العهد من الجاهلية وحياة أهلها زمنا ليس بالقصير، إذ نزل على آل المهلب فقيرا مجدبا، فكان له منهم أكثر مما كان يطمع فيه، قال:
نزلتُ على آل المهلب شاتياً فقيراً بعيد الذار في سنة محل
فما زال بي إلطافهم وافتقادهم و إكرامهم حتى حسبتهم أهلي
ولقري الضيف خاصة والجود عامة صدى قوي في شعر العرب، يتمثل في هذه الثروة الضخمة من شعر المدح والفخر والهجاء، فقلما تجد قصيدة نظمت في فن من

*(هوامش)*
(1) حماسة أبي تمام: 1:102، وينسب الشعر إلى عبد الصمد بن المعذل.
(2) هو بكير بن الأخنس، والنظر البيان والتبيين:3: 233.