/ صفحه 26/
إنه يجب علينا أن ننظر إلى تاريخ الاختلاف بين المسلمين، وإذا بحثنا في تاريخ الاختلاف وجدنا الاختلاف اختلافين، أحدهما اختلاف وقع ولم تتصدع به وحدة المسلمين ولم يورث عداوة ولا بغضاء، بل لم يؤثر على العلماء المختلفين أنفسهم، فهو يقع والشمل مجتمع، والمحبة ثابتة، والصفاء شامل. واختلاف يورث العداوة والبغضاء وشق عصا المسلمين ويفرق جمعهم ويجعل بأسهم بينهم.
فالأول كالاختلاف الذي وقع بين الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم فقد اختلفوا بعد وفاة رسول الله من يوم السقيفة، وتناظروا في مانعي الزكاة وكان أبوبكر يرى قتالهم فاحتجوا عليه بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإن قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله)) فقال أبوبكر من حقها الزكاة والله لأقتلن من يفرق بين الصلاة والزكاة والله لو منعوني عناقا لقاتلتهم عليه. فبان لمن خالف أبابكر أن الحق معه فتابعوه.
وقال سليمان بن يسار في الحامل تلد ولدا ويبقى في بطنها ولد آخر: إن لزوجها عليها الرجعة وقال عكرمة: لا رجعة له عليها لأنها قد وضعت، فقال له سليمان أيحل لها أن تتزوج؟ قال لا قال: خصم عكرمة.
والثاني كالاختلاف الذي وقع بين الخوارج وجماعة المسلمين في زمن علي فقد نقموا عليه رضى الله عنه أنه حكم في أمر الله الرجال والله يقول ((إن الحكم إلا لله)) وأنه قاتل ولم يسب ولم يغنم، فلئن كانوا مؤمنين ما حل قتالهم، ولئن كانوا كافرين لقد حل قتالهم وسباؤهم، وانه محا نفسه من إمرة المؤمنين فإن لم يكن أميرالمؤمنين فهو أمير الكافرين.
وقد ناظرهم ابن عباس وقال أرأيتكم إن أتيتكم من كتاب الله وسنة رسوله بما ينقض قولكم هذا، أترجعون؟ قالوا وما لنا لانرجع، قال أما قولكم حكم الرجال في أمر الله فإن الله قال في كتابه: ((يأيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم، ومن قتله منكم متعمداً فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم)).
وقال في المرأة وزوجها ((وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله