/ صفحه 289/
فهكذا بدأ توطن السلافيين في شرقي البلقان (الصرب) وفي غربيه (الكروات) كرعايا ملك بيزنطة، ولم تكن هذه القبائل في أول أمرها ميالة إلى تنظيم سياسي واجتماعي من طراز ما يمكن تسميته دولة، ولكن الإمارات التي أنشأوها فيما بعد بدأت تستغل ضعف بيزنطة لتنتقض عليها وتخرج عن طاعتها، وشرع الأمراء يطلقون على أنفسهم لقب الملك، ويخوضون حروبا طاحنة جرت بينهم سجالا، وكان من نتائجها تغييرات مؤقتة في حدود ممالكهم لا يزال ساسة الشعوب البلقانية يذكرونها ويحتجون بها في معرض تقرير أولوية دولة يتكلمون باسمها بضم جارتها إليها، أو الاستيلاء على بعض أراضيها.
ولا يعلم إلا الله إلى أي مدى كانت ستبلغ هذه المنازعات بين دويلات البلقان لو لم يتقدم سلاطين آل عثمان بكتائبهم الجرارة من آسيا الصغرى، فتساقطت تلك الدويلات واحدة تلو أخرى، فخضعت صربيا للأتراك سنة 1389، وبلغاريا سنة 1393، وبوسنة سنة 1463، فبقى البلقان تحت حكمهم قرونا طويلة.
وأهم ما يهمنا في بحثنا هذا هو تفنيد الزعم المنتشر بأن الإسلام لم يكن له أي أثر في البلقان قبل الفتح التركي، وأن الأتراك أجبروا بعض الناس على اعتناقه.
قد قلنا إن الهنغاريين من أصل تركي من أواسط آسيا، وقد هاجروا من وطنهم الأصلي تحت قيادة زعيمهم ((آرباد)) واستقروا سنة 895 م في إقليم تطابق حدوده حدود هنغاريا الحالية تقريبا، ثم تلاحقت وراءهم قبائل من شعوب أخرى ذات أصل تركي أو سلافي مثل البلغار من ضفاف قولغا والكاليع والبجناك فتوطنوا في إقليمهم وما يجاوره من البلاد شرقا، وفي القرن الثالث عشر انضم إلى هؤلاء قبائل: باشغارد وكومان وبازيغ والتتار وبعض العرب والسلافيين من آسيا الصغرى، وأما قبائل الخزر التركية فقد وصلت قبل ذلك مخترقة سهول روسيا، وانضم إليهم عدد كبير من اليهود الذين أخرجوا من القسطنطينية، ومن هؤلاء اليهود المندسين في الخزر تكونت الجاليات اليهودية في هنغاريا وبولندا وروسيا.
لقد شاع فيما بين القرنين العاشر والرابع عشر إطلاق اسم ((ازمائيلت)) أي إسماعيليين على بعض الجماعات من قبائل الشعوب المذكورة، كما اشتهر إطلاق