/ صفحه 309/
كفروا هؤلاء أهدي من الذين آمنوا سبيلا، أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا)) والجبت والطاغوت هما الصنمان اللذان سجد لهما أولئك اليهود، وقيل الجبت: اسم للأصنام، والطاغوت: شياطين الأصنام.
ولا شك أن أولئك اليهود بما فعلوه من ذلك قد كفروا بدينهم، فلم يكن لهم منه إلا اسم اليهودية فقط، وبهذا كانت يهوديتهم أكثر انحرافا عن اليهودية الصحيحة من انحراف مسيحية الروم عن المسيحية الصحيحة، وقد كانت مسيحية الروم مسيحية طاغية متجبرة، أما يهودية يهود الحجاز فقد كانت يهودية حسودا ذليلة، والأولى على بغيها خير من الثانية في دناءتها.
ولهذا نفى الله عنهم الإيمان به وبرسوله إليهم في الآيتين - 80،81 - من سورة المائدة: ((ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون، ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيرا منهم فاسقون)) فالمراد بالنبى في هذا رسولهم موسى (عليه السلام)، والمراد بما أنزل إليه: التوراة التي أنزلت إليه، لأن الله ورسوله وكتابه مع من جاء مصدقا لدينه من المسلمين، فلا يصح أن يكونوا مع المشركين عليهم إذا كانوا مخلصين لدينهم.
وبهذا كله يثبت أن اليهود الذين دخلوا في الأمر بقتال أهل الكتاب في آية التوبة هم يهود الحجاز في وقت نزولها، لأن الصفات السلبية التي وردت فيها كانت متحققة فيهم دون غيرهم من اليهود الذين كانوا متفرقين في أنحاء العالم، لأنهم لم يقعوا في مثل ما وقع فيه أولئك اليهود بسبب اتصالهم بالمسلمين في بلادهم، ولا شك أنه يدخل في ذلك الأمر كل يهود يحذون مع المسلمين حذوهم.
ولعلي بهذا أزيل ما يعلق من ذلك بنفوس أهل الكتاب من مواطنينا في عصرنا، لأن الإسلام أسمى من أن يأمر بقتال أحد على عقيدته ولو كان من المشركين، فلا يمكن أن يأمر بقتال أهل الكتاب على عقيدتهم، مع أنها أقرب من غيرها إلى عقيدة المسلمين.