/ صفحه 356/
وليس لمؤمن أن يدعى أنه قد وصل إلى الغاية ما دامت نيته مخلصةو لسانه رطبا طاهرا، وقد عمر قلبه بالإيمان، فإن هذه عناصر لا تقوى إلا بالعمل، ومثل الاعتقاد الصالح من غير عمل كمثل جذع نخلةخاويةلا تلبث إلا قليلا حتى تفقد الحياة كلها، ومن أحسن ما قرأت في نماءالإيمان بالأعمال قول الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجه: ((إن الإيمان ليبدو لمعة بيضاء، فإذا عمل العبد الصالحات نمت فزادت حتى يبيض القلب كله، وإن النفاق ليبدو نكتةسوداءفإذا انتهك العبد الحرمات نمت وزادت حتى يسود القلب كله فيطبع الله علىقلبه، وتلا قوله تعالى: ((كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون)).
وبهذا الكلام الذي عبق على لسان أميرالمؤمنين على رضى الله عنه من عرف النبوة المحمديةيتبين أن الإيمان إذا خلا من العمل كان لمعانه كوميض البرق قد يختفى ويذهب، وإن القلب إذا فرغ من العمل الصالح سهل أن يدخل إليه العمل الفاسد، وأن العمل الفاسد يفسد الإيمان، كما ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن)) ولقد ورد في بعض الآثار أن المعصيةتنكت في القلب نكتةسوداءفإذا توالت أربد القلب.
3 وإن العمل بمقتضى الإيمان يوجد في القلب إشراقاً يزيده علما، ويزيده إيمانا، ولذلك كانت معرفة القرآن والعمل تزيد الإيمان قوة، وقد قال تعالى: ((وإذا أنزلت سورةفمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا، فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون، وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم، وماتوا وهم كافرون)) فإن العمل الدائم المستمر على موجب الإيمان يوثقه ويقويه، ولقد قال (صلى الله عليه وآله وسلم): ((من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم)) ذلك أن الإيمان الذي يزكيه العمل ويقوى يكون إشراقا روحيا، وصدقا في طلب الحقيقة، ويترتب عليه إبعاد الهوى والغرض، والهوى درن يصيب القلب فيظلمه، ويطمسه عن أن يدرك الحقائق الناصعةالبينة، وإن العمل بموجب الإيمان هو قدع الشهوات واستيلاء الشهوات علىالنفس فتكون أمةذلولا، ولا تكون سيدا مطاعا.