/ صفحه 37/
ويكون حال الناس كدائرة تقطع بعضها فجميعها معكوس، كما قال حكيم المعرة أبو العلاء.
وإن الإخلاص والنفاق نقيضان لا يجتمعان، فالنفاق ليس إلا من تحكم الشهوات المردية، وهو ضعف في النفس، واستخذاء للقوى رجاء ما عنده، أو خوف عقابه، وإن النفس التي مردت على النفاق يصير داء فيها، فينافق لا لمنفعة يبتغيها، ولا لشر يتقيه، بل لهوان أركس فيه، وذلك لأنه لم يذق طعم الإخلاص، ولم يشرب قلبه حبه، ففقد القوة النفسية الدافعة، وأصبح ينظر إلى الأمور بنظرات الأقوياء، أو بنظرات المجالس التي يغشاها، وكثيراً ما ترى المنافق المتنقل في المجالس يقول في كل مجلس ما يناقض الاخر من غير سبب موجب، ولا باعث مسوغ، وذلك لتلك الحيرة التي أورثها إياه النفاق من حيث لايشعر، ولذا قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في المنافق: ((مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين غنمين لا تدري إلى أيهما تذهب)).
هذا هو الإخلاص، وتلك آثار تركه في نفوس من يتركونه؛ وهو مبدأ الخط المستقيم الذي سنه القرآن، وهو حقيقة الإيمان، ولب الإسلام، وإن هذا الابتداء له وسط، وله انتهاء، وموعدنا المقالات التالية في وسطه وانتهائه، والله سبحانه هو الهادي إلى الصراط المستقيم.